الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل يُعقل أن نشرة أخبارٍ تصنع التاريخ؟ 

بواسطة azzaman

هل يُعقل أن نشرة أخبارٍ تصنع التاريخ؟ 

علاء الدين الغربي 

 

ملايين مُتَسَمِّرين حول الشاشات، يُشَاهدون مئات القتلى وآلاف الجرحى. مزيدٌ من القوات الإضافية: حوالي ٢٠٥ ألف جندي إضافيٍّ مطلوبون إلى ساحة المعركة. مُتَّفَقٌ على تسمية الهجوم "التِّيت"، يومَ شَنَّ عشرات الآلاف من الفيتناميِّين الشماليِّين مع قوات الفيتكونغ هجماتٍ منسَّقةً على جنوب فيتنام، طاولتْ كلَّ عواصم المقاطعات حتى سايغون. سؤالٌ يعالجه المقال: هل الإعلام قادرٌ على التفوق على المجهود الحربي، بل يمكن تحويل فعاليته إلى أمرٍ دون جدوى حتى لو كان يحرز إنجازاتٍ معتبرة؟ 

**"مورو" وغرفة المعيشة** 

مَحْصُورةٌ من الجوِّ في هجومٍ يسميه المؤرخون اليوم "بليتز"–الهجوم الخاطف. ألفُ غارةٍ متساقطةٍ على لندن، مُخَلِّفةً ٤٣ ألف قتيل و١٤٠ ألف جريح. هجومٌ أراده "هتلر" دون هوادة، مستمرًّا لمدة شهرين عامَ ١٩٤٠. مذياعٌ ينقل تردد شبكة CBS، عبر برنامج "هنا لندن" يعمل المراسل "إدوارد مورو" على انقلابٍ تتغير على إثره موازين المعركة ووجه التاريخ. 

عدم مبالاةٍ مسيطرةٌ على جلِّ الأمريكيِّين، أرادوا الحفاظ على مسافةٍ مع فوضى أوروبا. مُصَمِّمًا على ألا يكون الحال هكذا، معتبرًا أن الهدف التالي هو أمريكا التي ستُضطر لقتال هتلر بنفسها في حال سقطت لندن في رأي "مورو". مشاهدُ مروعةٌ ينقلها لم تؤدِّ إلى المطالبة بأن ترفع بريطانيا يدها ملوحةً بالاستسلام. الميدالياتُ دون جدوى، مشيرًا إلى ذلك على البث المباشر؛ لأن ما يُوصَف بالبطولة بات في بريطانيا–التي لم يتوقف القصف عليها–روتينًا يوميًّا. 

صوتُ المراسل المتداخل مع أصوات الانفجارات وصفارات الإنذار، منح المشهدَ قوةً دراماتيكية. مستمرًّا في إيصال وقائع الحرب إلى غرف المعيشة للأمريكيِّين، في وقتٍ كان يخشى مرشحو الرئاسة أيَّ مناقشةٍ علنيةٍ متصلةٍ بدعم بريطانيا. منهجُ مورو اعتمد على تغليف القضايا بروايات أشخاص، تتعاطف الجماهير مع قصتها. بالِغًا مقصده، إذ دخل الجيش الأمريكي الحربَ بعد تعبئةٍ أحرزت موافقة جلِّ الأمريكيِّين، ليس هذا فحسب بل جعلت في كلِّ منزلٍ مذياعًا. 

**"التِّيت" وصولًا إلى سايغون** 

خاسرةً ومرغمةٌ على وقف إطلاق النار. مضطرةٌ على إثرها إلى الانسحاب من أرض المعركة. ممتلكةٌ رغم ذلك كلَّ مقومات التفوق في أرض المعركة. الحالُ الذي بدت عليه أمريكا في فيتنام. مُرتبطةٌ بسريان أسطورةٍ في أمريكا، مفادُها أن الإعلامَ الإخباريَّ قد خَسِرَ الحرب. معبِّرةً عن علاقةٍ معقدةٍ بين السلطة والإعلام. 

مرتفعٌ بشكلٍ مهولٍ عددُ الجنود الأمريكيِّين من ١٦ ألفًا، ليستقرَّ على ٥٣٦ ألفًا عامَ ١٩٦٨. مفاجئًا جاء هجومُ "التِّيت"، الذي نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن ضابطٍ أمريكيٍّ يشير إلى بلدةٍ على نهر ميكونغ: "إنه يجب تدمير المدينة لإنقاذها". طارحةً بذلك شكًّا في تدخُّلٍ برَّر وجودَه بدعم أصدقائه الذين لم يَعُدْ بدٌّ من تدميرهم أيضًا. 

مُفسِّرين ما نُقِلَ على خلاف ما حدث، هو الذي هيمن على ما نُقِلَ عن "تيت". مُستعرِضًا سلسلةَ أحداثٍ أثَّر فيها التلفازُ بشكلٍ سلبيٍّ، كحديث جونسون مع الرابطة الوطنية للبث الإذاعي والتلفزيوني. مُرغِمًا الجيشَ إلى التراجع في بوسان في أثناء الحرب الكورية، أو في الحرب العالمية الثانية. ممتلكًا زمامَ السيطرة كان لا يزل الجيش الأمريكي، لكن تصاعد الضغوط أَمْلَتْ على الرئيس وقفَ النار والانسحاب. 

**خاتمة** 

مفهوم الحرب ووبالها جزءٌ من مسيرة الحضارة الإنسانية. حريةُ النقل المباشر سادت في كلا الحالتين. مستفيدةً منها بريطانيا في خلق وقائع جديدة، الأمر الذي أخفقت به أمريكا في فيتنام.


مشاهدات 51
الكاتب علاء الدين الغربي 
أضيف 2025/08/03 - 3:30 PM
آخر تحديث 2025/08/04 - 3:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 102 الشهر 2280 الكلي 11277366
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير