مدُّ الشوق
نور البابلي
في مدِّ الشوقِ
تتكسّرُ أسراري على صخورِ الغياب،
وتعودُ إليَّ خطايَا مبلّلةً بندى الذكرى،
تلوّنُ وجهي بأصداءِ ماضٍ لم يكتمل،
وتكتبُ في قلبي وشمَ سؤالٍ لا يزول…
أصغي لنداءِ قلبٍ
يرتّلُ أسماءً نسيتها الرياح،
وأمسكُ بحروفٍ تسافرُ في دمي
كالمدّ والجزر،
تُقبّلُ شواطئ روحي ثم تنسحبُ صامتة،
تاركةً وراءها رائحةَ الحنين…
يا موجةً من نورٍ وحيرة،
علّمتِني أن أكونَ الضفةَ والحلم،
أن أصغي لصوتِ الغياب
كأنه صلاةٌ خفيّةٌ
تنبتُ في صمتِ القلبِ وردةَ أمل…
في لحظةِ المدِّ
أشعرُ أنني أذوبُ في وهجِ الشوق،
أتوضأُ بملحِ الدمع،
وأرتّلُ أنينَ الغياب
كمن يتعلّمُ أبجديةَ الوجدِ للمرةِ الأولى…
وفي جزْرِ الشوقِ
أعودُ إلى وحدتي كسفينةٍ فقدتْ ريحَها،
أرتّقُ شروخَ الذاكرة،
وألمسُ جراحَ الانتظارِ
التي صارتْ جزءًا من صمتي…
يا شوقًا لا يهدأُ
يمتدُّ من غيابِكَ إلى حضوري،
من رمادِ الأمسِ إلى يقينِ اللحظة،
أراكَ في همسِ الليل،
في ارتجافةِ النورِ عند الفجر،
وفي ارتعاشةِ دعاءٍ لا يُقال…
وأنا بينَ المدِّ والجزرِ
أكتشفُ أنّ الحبَّ صلاةٌ بلا حروف،
وأنَّ القلبَ لا يشفى
إلّا حينَ يسجدُ في محرابِ الحنين…
أُدركُ أنَّ البُعدَ ليسَ مسافةً تُقاسُ بالخطوات،
بل مرآةٌ تعكسُ وجهي الأعمق،
وأنَّ القلبَ كلّما اتسعَ وجعهُ
زادَ صوتهُ نقاءً،
كبحرٍ يتهجّى أسماءَ الغائبين
ثم يسجدُ في صمتِ الفجر،
حاملاً أسرارَ العاشقين…
ليعودَ كلَّ مرةٍ
أكثر نقاءً،
وأكثر انتماءً لمدِّ الشوقِ الذي لا ينتهي…