الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصراع بين الفرض والقرض (7)

بواسطة azzaman

الصراع بين الفرض والقرض (7)

هذه هويتنا

منقذ داغر

 

«أعتقد أن جزءً من عبقرية أمريكا كانت دوماً قدرتها على إستيعاب الوافدين الجدد وصياغة هوية وطنية واحدة من المجموعات البشرية المتباينة الواصلة لشواطئنا» الرئيس باراك أوباما.

لقد اثبتت كثير من الدراسات في السلوك السياسي ان المنهج النازل-أو الفوقي- في فرض سلوكيات سياسية واجتماعية معينة سيفشل مهما استُثمرت فيه من موارد وقوة وسلطة ما لم يرافق ذلك نسغ صاعد-من قاعدة المجتمع وتحديداً التربية الأسرية- وآخر افقي يمتد عبر المجاميع المختلفة ويجسر بينها. فالهوية الوطنية كما ذكرت سابقاً لها بعدين لا يمكن الاستغناء عن أحدهما: البعد العمودي المتمثل بنقل القيم والمشاعر من الآباء للأبناء، والبعد الأفقي حيث يتم تجسير الاختلافات الثقافية والدينية والعرقية بحيث تصبح مصدر قوة دون ان يتم تجاهلها او القضاء عليها. هذا يعني ان الصياغة الواعية للهوية الوطنية عليها أن تركز على المشتركات دون ان تخشى التباينات،وعليها بالتالي الإنتقال بحامليها من مجالهم التصوري المجتمعي السابق،الى مجال تصوري جديد أكثر شمولاً وأقل تبايناً. ولكي يحصل ذلك فلابد من ان تراعي الهوية الوطنية المخلّقّة والمتصورَة ذات العوامل الأربعة التي أشرت لها في المقال السابق:

1. فعلى الصعيد الآيدلوجي وهو نقطة البداية التي يجب الأنطلاق منها يجب حسم الجدل حول ثنائيات الحداثة والوراثة، والمعاصرة والمغادرة، والقطيعة والشريعة. من المفيد الإشارة هنا الى ما فعلته أندونيسيا التي كانت تواجه نفس الإشكالية بعد خروجها من الأستعمار الهولندي حيث كان أسلامويو اندونيسيا يعتقدون ان الأسلام هو هوية أندونيسيا في حين كان الحزب الشيوعي القوي آنذاك يرى في أممية اندونيسيا هويةً معاصرة يجب الاستناد لها. أما الحداثويون العلمانيون فقد كانوا يرون العلمانية الخالصة هي الهوية التي ينبغي اعتناقها لتحقيق المعاصرة والحداثة. وبعد نقاشٍ ولأيٍ  طويلين تم الاتفاق على ما يسمى ب»بانكاسي» Pancasi أو المبادىء الخمسة : الإيمان بالله، الإيمان بالإنسانية، والوحدة الوطنية، والديموقراطية، والعدالة الأجتماعية. لاحظوا ان كل مبدأ بستجيب لمنظومة فكرية متصارعة وأن جميعها لا تتعارض مع أي من متبنيات المنظومات الفكرية المتنافسة. فالإيمان بالله مبدأ أساسي للاسلامويين، والإنسانية والديموقراطية تستجيب لآراء العلمانيين في حين ان العدالة الاجتماعية عي في صلب فكر الأمميين.

حقائق تاريخية

2. الظروف التاريخية. يجب الإقرار أولاً أن الهوية الوطنية الجامعة ليست متوفرة تاريخياً لنا. فنحن دول عانت كل مجموعاتها السكانية من تشتت وأختلافات أملتها ظروف معينة، وأجبرتها على أختلاف هوياتها «الأجتماعية». لذا فأنه لا توجد هوية «سياسية» شاملة يمكن فرضها على الآخرين، بل يجب صياغتها بطريقة تراعي هذه الحقائق التاريخية التي تميّز المجموعات السكانية المختلفة ولا تعطي الحق لأي منها أن يفرض رؤاه ومعتقداته على الآخرين مهما بلغت قوة وحجم هذه المجموعة أو تلك. فالهوية المراد تبنيها وارتدائها تاجاً على رؤوس الجميع لا تخص طائفة دون أخرى ولا مجموعة دون الأخرى. مع ذلك ينبغي التأكيد أن هذه الهوية المراد تخليقها لا تتعارض مع الهويات الاجتماعية ولا تنتقص منها لكنها هي التي ستسود في المجال السياسي التصوري. وينبغي أن يكون واضحاً للجميع انه عند حصول تعارض بين الهوية الوطنية وبين إحدى الهويات الفرعية فأن الأولوية يجب ان تكون للهوية الوطنية التي يجب ان لا تنافسها أية هوية او أي ولاء في المجال السياسي على الأقل. من جانب آخر فأن أي ممارسات او سلوكيات اجتماعية يمكن ان تسبب مشاكل للآخر او تنال من معتقداته وحقوقه كمواطن لا بد ان يتم التصدي لها بقوة حتى ولو كان ذلك المواطن الذي تم الحط من معتقداته او حقوقه ليس الا فرداً واحداً.

3. التشظي الاجتماعي والمكوناتي. يجب ان يكون واضحاً ان الدولة ملك للجميع ولا تتفوق فيه أي هوية على الأخرى سواءً لكثرتها او دينها او قوميتها. المواطنة في العراق هي الأصل «السياسي» وكل الطوائف والملل هي الفروع. على هذا الأساس يتم صياغة الهوية الوطنية. ولا يمكن القبول بمبدأ المحاصصة التي تجعل لكل طائفة نصيباً في الحكم او الوزارات او المؤسسات، بل يجب ان يكون لكل مواطن نصيباً متساوياً فيها. فوحدة القياس اذاً هي المواطن وليس الطائفة. ويجري تجريم كل موظف خدمة عامة مهما كان عنوانه او انتماؤه اذا أشار او استخدم في نطاق عمله ما من شأنه ان يُفهم بأنه تفضيل لأحدى الهويات الفرعية أو أولوية لها على الهوية الوطنية. أن الهوية الوطنية في العراق يجب ان تصبح كالملك «مصونة غير مسؤولة».

4. المؤسسات الوطنية. لا هوية لأية مؤسسة عامة سوى الهوية الوطنية. ولا يتم اشغالها او التعيين فيها او عملها الا على هذا الأساس وتحت عنوان واحد هو العراق. يجب ان يشعر كل العراقيين ان مؤسسات الدولة وبضمنها بل وفي مقدمتها المؤسسات القضائية والأمنية هي مؤسسات لا تقبل القسمة الا على واحد وهو العراق. ان الفرق الأساس بين العراق وكثير من دول منطقتنا التي تمتاز بتنوع هوياتي، وبين الدول المتقدمة التي تمتاز ربما بتنوع هوياتي اكبر هو المؤسسات الوطنية. فلا يمكن مثلاً التشكيك بالقضاء في اليابان بأنه يتحيز للشنتو على حساب البوذية.كما ان السود في أمريكا يمكنهم ان يصبحوا رؤساء للاركان او وزراء للدفاع او مديرين للسي آي أي  CIA او  FBI  او  حتى رؤساء جمهورية. هذا لا يعني عدم وجود استثناءات او تحيزات هنا وهناك لكنها ليست تحيزات النظام بل شخصيات تعمل فيه.

هوية وطنية

أخيراً فأن الأخلاص للهوية الوطنية هو المعيار في الحكم على وطنية المواطن وليست تبعيته او جذوره. ان التمسك بمقاربات اثبتت فشلها في العراق وكل دول العالم تاريخياً من مثل «هذا ليس اصله عراقي»،أو «هذا تبعية إيرانية»،أو «هذا ليس مسلم» وعدّها معياراً للحكم على وطنية وهوية هذا او ذاك هو من الأخطاء المدمرة لأي هوية وطنية.

وما لم يشعر المسيحي والسني والشيعي والصابئي والشبكي والأيزيدي والتوركماني وسواهم في العراق ان فرصتهم في ان يصبحوا رئيساً للوزراء او للجمهورية او لمجلس القضاء او البرلمان...الخ مساوية لفرصة أي عراقي آخر فلن تنجح الهوية الوطنية. ومالم يشعر جميع الموظفين العموميين في العراق ابتداءً من رئيس الجمهورية نزولاً لأبسط مواطن بأنهم غير محصنين ولا محميين بطوائفهم وانتمائاتهم فلا يمكن القول اننا نجحنا في بناء هوية وطنية جامعة.

  يقصد بالقرض هنا النظم على وفق قواعد.

يقال قرض الشعر أي نظمه

وما لم يشعر المسيحي والسني والشيعي والصابئي والشبكي والأيزيدي والتوركماني وسواهم في العراق ان فرصتهم في ان يصبحوا رئيساً للوزراء او للجمهورية او لمجلس القضاء او البرلمان...الخ مساوية لفرصة أي عراقي آخر فلن تنجح الهوية الوطنية. ومالم يشعر جميع الموظفين العموميين في العراق ابتداءً من رئيس الجمهورية نزولاً لأبسط مواطن بأنهم غير محصنين ولا محميين بطوائفهم وانتمائاتهم فلا يمكن القول اننا نجحنا في بناء هوية وطنية جامعة

 


مشاهدات 50
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/08/03 - 2:39 PM
آخر تحديث 2025/08/04 - 4:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 156 الشهر 2334 الكلي 11277420
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير