الفرق بين بناء الوطن وترسيخ السلطة
كامل الدليمي
في المجتمعات التي تمر بتحولات سياسية واجتماعية حادة، كثيرًا ما تختلط المفاهيم بين “بناء الوطن” و”ترسيخ السلطة”، حتى يكاد البعض يظن أنهما مترادفان. لكن الحقيقة أن الفرق بينهما جوهري وعميق، بل إن الخلط بينهما قد يكون سببًا في تراجع الدول بدل نهوضها.
بناء الوطن هو مشروع طويل الأمد، يتطلب من القيادات السياسية والإدارية أن تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. إنه يقوم على أسس العدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص، وحرية التعبير، وتعزيز مؤسسات الدولة لتكون مستقلة وفاعلة، لا أدوات طيعة بيد شخص أو جهة ان كان حزب او طائفة !!
. بناء الوطن يعني الاستثمار في الإنسان قبل الحجر، وتقديم الخدمات الأساسية للجميع دون تمييز، ووضع خطط تنموية تنعكس على مستوى معيشة المواطن وتعزز الشعور بالانتماء.أما ترسيخ السلطة، فهو مشروع قصير النظر، يهدف إلى إحكام القبضة على مفاصل الدولة بكل الوسائل، حتى لو كان الثمن هو تعطيل المؤسسات، أو تهميش الكفاءات، أو خلق الفوضى للتمكن من السيطرة. ترسيخ السلطة لا يهتم بالمواطنة، بل يعيد صياغة المجتمع على أساس الولاءات الشخصية أو الحزبية أو الطائفية. وغالبًا ما يُمارس من خلال استخدام أدوات الدولة كوسائل ضغط، لا كوسائل خدمة.عندما تُبنى السلطة على حساب الوطن، تُختطف الديمقراطية، وتُشلّ المؤسسات، ويُستبدل القانون بالتعليمات، ويتحوّل العمل السياسي إلى صراع على النفوذ بدل أن يكون وسيلة لإدارة شؤون الناس. في هذه الحالة، تتحول الدولة إلى كيان هش، يعيش على فتات الشرعية، ويغرق في الأزمات، لأن ما يُبنى على الخوف والتسلط لا يمكن أن يصمد طويلاً أمام التحديات الداخلية والإقليمية والدولية.
ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم هو إرادة وطنية صادقة تفصل بين فكرة القيادة وبين نزعة السلطة، وتؤمن أن السلطة وسيلة لا غاية، وأن أقصر الطرق لترسيخ الدولة هو بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته، وليس بناء جدران العزل بين الشعب وقياداته.
الزمن كفيل بفضح من يخلط بين المشروعين. فبناء الوطن يُخلَّد في الذاكرة، أما ترسيخ السلطة الزائفة فينتهي بسقوط مدوٍّ حين تتغير الموازين فيما إذا استمرّ الساعي لها للعمل بنفس النهج .