قانون العفو .. حين يتحوّل الظلم إلى مؤسسة
ليث شبر
ملاحظة.. أوراق الدعوة والحكم وصور المجرمين وصورة المجني عليه تحت يدي...
حينما اطلعت على ملف هذه القضية لم أستطع أن أتحمل عمق المأساة المركبة التي يتعرض لها الذين طالتهم الجريمة. إذ كيف يمكن أن نأتمن على أولادنا وأهلنا وأنفسنا من هؤلاء المجرمين الأشرار الذين لم تردعهم العقوبة، ولم توقفهم شناعة الفعل؟
لم يلتفت الإعلام العراقي – مع الأسف – إلى الآثار الكارثية لقانون العفو العام، ولم يذهب في تحقيق استقصائي يكشف عمن شملهم هذا القانون، وكيف عاد كثير منهم إلى المجتمع لا بوصفهم مذنبين تائبين، بل كمنتصرين يلوّحون ببطولات زائفة فوق جراح الضحايا. لقد تحولت قضية العفو، كما شواهد كثيرة تؤكد، من فرصة للمراجعة والإصلاح، إلى غطاء يبرر الجريمة ويمنحها شرعية باردة.
اليوم أضع بين أيديكم قضية واحدة، لكنها تكفي لأن يندى لها جبين الإنسانية جمعاء. خمسة مجرمين في ديالى، استدرجوا طفلاً في العاشرة من عمره إلى بستان، وقيّدوه، وتناوبوا على اغتصابه وتهديده بالسلاح، ثم صوّروه عارياً ونشروا صوره لابتزاز عائلته البسيطة بمبالغ زهيدة وسلاح كلاشنكوف. التحقيقات القضائية أثبتت الجريمة بكل أدوات الإثبات: الأدلة الطبية، الأجهزة الإلكترونية، الرسائل، بل وحتى الاعترافات الموثقة. وحُكم على الجناة بالسجن وفق القانون.
لكن، هنا يبدأ وجه العراق المظلم: المجرم أح.. جا.. ، أحد هؤلاء الجناة، كان منتسباً في الشرطة، ومعروفاً بسجله في جرائم قتل وإرهاب، شمله قانون العفو، وخرج من السجن بعد سنتين فقط! لم يخرج معتذراً أو مكسوراً أو منبوذاً من مجتمعه، بل خرج متبجحاً، يقيم الدعوات، ويهدد أهل الطفل، بعدما أُجبروا على التنازل عنه تحت وطأة الرعب. أي رسالة أوصلها هذا المشهد إلى الضحايا؟ وأي أمل بقي في العدالة حين يتحول المجرم إلى بطل والضحية إلى مطارد؟
قاتل وسارق
هذه القصة ليست استثناءً، بل نموذجاً مخزياً لعشرات وربما مئات القضايا التي دفنت في الصمت. فهل سأل الإعلام الجاد: من هؤلاء الذين شملهم العفو؟ كم من قاتل وسارق ومغتصب خرج من السجون ليمارس جريمته من جديد؟ وكم من عائلة تعيش اليوم مأساة مضاعفة: جريمة أولى بحقها، وجريمة ثانية باسم القانون؟
إن العفو في جوهره يفترض أن يكون مخرجاً للخطأ البشري الذي يمكن إصلاحه، لا أداة لإعادة تدوير العنف والفساد والإرهاب. لكن ما جرى في العراق حوله إلى مؤسسة للظلم، لا تقل قسوة عن الجريمة ذاتها. وهنا مكمن الخطر: حين يتراكم الظلم تحت غطاء القانون، فإن المجتمع يفقد ثقته بالعدالة، ويصبح مهيأً للانفجار في أي لحظة.
المطلوب اليوم ليس فقط إعادة النظر في تشريع العفو، بل توجيه دعوة صريحة إلى الإعلام، والمؤسسات القضائية والحكومية، والمنظمات الدولية والمحلية لحقوق الإنسان، لمراجعة دقيقة وحازمة لملفات هؤلاء الذين شملهم العفو في ظرف سياسي فوضوي، وإعادة من لا يستحق منهم، وخاصة أولئك المجرمين الذين لم يتأثروا بالأحكام القضائية وما زالوا يمارسون الجرائم نفسها. ولكن، قبل ذلك كله، يبقى السؤال المؤلم معلقاً: من سينتصر لهذا الطفل المغتصب، المجني عليه، ومن يرد له كرامته التي انتهكت، ومن يداوي جروحه النفسية الغائرة؟ ومن سيقف مع كل من ظلموا أمثاله في صمتٍ قاسٍ؟ ألسنا جميعاً مسؤولين عنهم، عن أن نعيد للعدالة معناها وللإنسانية جوهرها؟
عن مجموعة واتساب