فم مفتوح .. فم مغلق
حميد سعيد كم سعدنا بك
زيد الحلي
وصفني صديق عزيز بـ ( الصامت ) حين لاحظ أنني لم أكتب شيئاُ عن حصول الشاعر الكبير حميد سعيد على جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها التاسعة لعام 2025 ، وهي الجائزة الرصينة التي تهدف إلى تشجيع وتكريم الأدباء والكتاب والمفكرين والعلماء العرب، اعتزازاً بدورهم في النهوض الفكري والعلمي في مجالات الثقافة والأدب والعلم .
لقد استوقفني هذا الوصف فعلاُ ، بل صدمني ، لأنني لم أكن في وارد الغياب أو الصمت ، بل كنت أمارس صمتي بمحبة، واحترام، وتأمل ، ولم يكن جحودًا مني ولا غيابا عن الفرح، بل كان مساحة منحتها لغيري من الكتّاب والمهتمين، لأتابع بسرور ما كتبوه بحقه، وكأنني مضيّف يفسح للضيوف صدر المكان، ويبتسم وهو يراهم يتزاحمون على مائدة الثناء والفرح دون أن ينافسهم، لأن بهجة العطاء لا تكتمل إلا حين تُشارك.
ان تكريم الشاعر المجيد حميد سعيد ، أحد أعمدة الشعر العربي الحديث ، جاء تتويجًا لمسيرة إبداعية امتدت على مدى ستة عقود من التجديد، والبحث، والوفاء للكلمة الحرة، والنبض العربي الصادق. وكان شاعرنا ؛ وما يزال مشروعا فكريا وجماليا متكاملا. صوتا طليعيا سبق زمانه، وجسرا عبرت عليه الحداثة الشعرية من التقليد إلى فضاءات الحرية والمغايرة. لقد حمل في قصائده همّ الإنسان العربي، وتمرّد على القوالب الجاهزة، وأسس برؤيته الخاصة مدرسة في الشعر، مزجت بين العراقة والحداثة، بين الرمز والوضوح، بين نبض الذات وجراح الأمة.
هذه الجائزة لا تعد انتصارا لفرد فقط ، بل هي أيضًا اعتراف نخبوي بريادة الشعر العربي الحديث، واحتفاء بدور الكلمة في تشكيل الوعي، ومواجهة القبح بالخيال، واليأس بالأمل. هو تكريم لقصيدة حميد سعيد التي قاومت الرداءة، وظلّت شاهدة على التحولات الكبرى في مجتمعاتنا وثقافتنا، من خلال شاعر ظل وفياً لموهبته، متجذراً في تاريخه، ومنفتحاً على العالم.
وفي كل مرحلة من مراحله الشعرية التي ازعم انني كنتُ من متابعيها ، كان يُفاجئ قراءه بنبرة جديدة، بلغة متوهجة، وصور تخلّق الدهشة، وكأن الشعر لديه نهر لا ينضب، كلما تقدم في الزمن ازداد شباباً، وعمقاً، ونقاء. واليوم، حين يُرفع اسمه في قائمة المبدعين العرب ، ويقف في صفوفهم ، فإننا لا نحتفل فقط بتاريخه، بل نقرأ في هذا التتويج رسالةً ملهمة للأجيال القادمة : أن الشعر ما زال ممكنًا، وأن الإبداع لا يعترف بالزمن، بل بالعطاء.
هنيئاً للكبير حميد سعيد ، وهنيئاً لنا به ، ولنصفّق له لا لأن الجائزة منحته المجد، بل لأنه منح القصيدة العربية مجدها المتجدد.
Z_alhilly@yahoo.com