الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصحفي وشغب الكتابة

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

الصحفي وشغب الكتابة

محمد صاحب سلطان

 

مذ البدء، وانا على أعتاب السلم الأول من درجات العمل الصحفي، إبان منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أحبو في عالم يكتنفه الغموض والبهرجة في آن واحد، كانت تسحرني كلمات المقالات التي كان يدبجها زملاء الرعيل الأول، ممن كان لي شرف اللقاء بهم، وسماع أصواتهم، ودبيب وقع أقدامهم بين ممرات دار الجماهير للصحافة في الباب المعظم ببغداد، بطوابقها الخمسة، التي كانت تضم مكاتب جريدة الجمهورية، ومجلة ألف باء وبغداد أوبزيرفر وصحيفة هاوكاري، قبل أن تنتقل، ألف باء الى مكان آخر، وكنا آنذاك طلبة إعلام ومتدربين عاملين على نظام القطعة أو المكافأة الشهرية، ولكن أولئك الاخيار، الكبار بنتاجهم الإبداعي، لم يحسسونا يوما بعلو شأنهم وصغر خطواتنا الضيقة، بل عاملونا كزملاء لهم برغم فارق العمر والتجربة، يشاركونا الحديث فيما نفهمه، ويبسطون لنا طريق ما لا نفهمه، عن هذا العالم المجنون بالوله والعشق للمهنة التي أحبوها حد الموت، على أكتاف العوز والفاقة أو المرض الذي داهم أغلبهم، فحياة التوتر والبحث عن الجديد في مجاهل الحياة وعلومها، وفي ترصين الآراء وبيانها، وفي عشق الكلمة وصناعة الإسم الصحفي، كان لها إرتدادات من دون شك على أوضاعهم الصحية ومتطلباتها المالية.

شخوص كثيرة، ما زالت ملامحها معجونة في تلافيف الذاكرة، وأخرى أسماؤها تعد ضياء ساطعا في طريق المهنة الصحفية، ومعذرة لعدم ذكر الأسماء، فهم أسمى من أن يذكروا بتجرد، أو نمر سريعا على ذكر سيرتهم، فلكل منهم حظوة، ومدرسة خاصة، أضحت علامة فارقة في تاريخ الصحافة.

كان التعليم الذي تلقيناه منهم، لا يقتصر على حرفة الكتابة وفنون الصياغة، وإقتناص الخبر وتحليل مدياته، فقط، ولا الغوص فيما يطلق عليه بأدبيات الصحافة، الإستقصاء وتقنيات الولوج الى كشف الحقيقة، فحسب، بل كان التعلم منصبا أيضا، على إن الصحفي ليس ملك نفسه بل ملك الشعب، ولإجل ذلك تهون كل التضحيات، مدفوعا بحرية رأي لابد من الدفاع عنها، مهما تركت من نتوءات الأذى في النفس أو الجسد، فشغب الكتابة، هو السلوك المهني الذي يجب أن نتمسك به، شغب يوصلنا إلى الحقيقة التي نسعى لإبرازها، كي تكون الهدف الأسمى لعملنا، حتى لو تعارضت مع توجهات من بيده الأمر والنهي، سلطويا كان أو صاحب قرار في عملك، وما زلت أحفظ عن ظهر قلب، ما فسره زميل لنا، كنا نعده محللا نفسيا أكثر من كونه صحفيا متمردا، عندما وصف إنفجار غشاء السائل المحيط بالجنين على إنه أول طوفان، نهرب منه نحو الحرية!، بيد إن كل انسان عليه ان يموت عندما يحين أجله، وهكذا على الصحفي أن لا يخش تبعات مهنته، بل عليه أن يخشى ما سيقوله التاريخ عنه، هل كان أهلا لمهنته أم لا؟، بعد أن تكون الكلمة المدونة هي الفيصل، وليتمسك بالانتماء لوطنه، وحتى الذين إضطرتهم عوادي الزمن للابتعاد مكانيا عنه، يضلون، يسكنهم الوطن بعد مغادرته، مؤكدين إن العمل من دون عدة صحيحة، يعني السباحة في نهر بلا عودة!. ولإجل ذلك، ما زلت أشعر بالأسى، وأحيانا بالذنب، لإني لم أدون تلك المحاضرات الشفاهية أو السلوكية، كي أنقلها لطلبتي ولزملائي من الجيل الصحفي الحالي، كي يأخذوا منها العبر، ولكني من جهة أخرى، أفند شعوري بالذنب، من ما أشير به عن هالة أولئك المعلمين، في سرد وقائع تخص كتاباتهم، ونماذج من تجاربهم الصحفية، التي دونتها أقلام من عاصروهم وأصدروا كتبا فيما بعد، إهتمت بتوثيق تأريخ الصحافة، لصحفيين ميدانيين واكاديميين، عراقيين وعربا، يكفيهم فخرا ،إنهم وفوا وكفوا، فتحية لمن بذلوا وضحوا من زملائنا الاخيار الذين نهلنا من علمهم، واغترفنا من خبرتهم وحسن بصيرتهم، مهما فرقتنا الأيام، وقذفتنا أمواج الحياة إلى أكثر من جانب، لكن ظل الحب الصامت وقود مودتنا، وبقيت إمارات الفخر والاعتزاز شاخصة في الضمير الصحفي، جراء ما زرعته أياديهم الكريمة، من شجر أثمر كفاءات، نراهم أمامنا وقد إشتدت أعوادهم اليوم بشغب الكتابة من أجل الوطن ولا غير.

 


مشاهدات 517
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/05/31 - 1:12 AM
آخر تحديث 2025/06/02 - 3:42 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 883 الشهر 2188 الكلي 11136842
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير