الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في يوميات أرمينيا للدكتور أحمد عبد المجيد


التحليل الادبي لرحلة استقصائية إلى بلد الكنائس والمتاحف والمشاهير

قراءة في "يوميات أرمينيا" للدكتور أحمد عبد المجيد

حمدي العطار

 

المقدمة:

يُعد أدب الرحلات أحد الأجناس الأدبية التي تمزج بين السرد الإبداعي والتوثيق الواقعي، ويتحول الكاتب فيها إلى عين راصدة تنقل التجربة بمختلف أبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية. وفي كتابه "يوميات أرمينيا"، يقدم الدكتور أحمد عبد المجيد، الكاتب والصحفي العراقي، رحلة فريدة إلى بلد يمتلك تاريخًا ثريًا وثقافة متعددة الأوجه. بأسلوب يجمع بين الصحافة الاستقصائية والسرد الأدبي، ينقل لنا المؤلف مشاهداته وانطباعاته عن أرمينيا، لتغدو الرحلة مرآةً للتاريخ والواقع والذاكرة.

 

*التحليل الأدبي للكتاب:

يمتاز الكتاب بسردٍ غنيٍ بالتفاصيل والمقارنات الذكية، كما وصفه الدكتور ياس خضير البياتي في مقدمته، حيث أشار إلى تميز الكاتب في المزاوجة بين الماضي والحاضر، والواقع والخيال، مما أضفى على النص سحرًا خاصًا يجذب القارئ. كما اعتبر الكتاب موسوعة حياتية، نقل من خلالها المؤلف تفاصيل الحياة الأرمنية بأسلوب صحفي جذاب ولغة بسيطة لكنها عميقة الدلالة.

ومن جهته، وصف  عبد الحسين شعبان الكتاب بأنه كاتبه "إعلامي متمرس"، مشيدًا بلغته الأنيقة وتحليله العميق، وقدرته على تسليط الضوء على خفايا تاريخية واجتماعية يصعب الوصول إليها في زيارة عابرة أو مطالعة عادية. كما أثنى على طريقة عرض الحقائق التاريخية رغم قسوتها، معتبرًا الكاتب مؤرخًا بارعًا أكثر منه سائحًا.

*الرؤى الاستقصائية في أدب الرحلة

يتجلى التأثير الصحفي في أسلوب الكاتب بشكل واضح، إذ اعترف بأنه لم يتمكن من التخلي عن "هاجسه الصحفي"، حتى في كتابته لأدب الرحلات. بل ذهب أبعد من ذلك حين أطلق على تجربته اسم "صحافة الرحلات" بدلاً من "أدب الرحلات"، ما يعكس ارتباطه العميق بالتحقيق والتحليل وملاحقة التفاصيل.

*محتويات الكتاب:

يقع الكتاب في 115 صفحة من القطع الكبير، ويضم ثمانية مقاطع سردية مدعومة بصور بصرية توثق التجربة. وتنوعت عناوين هذه المقاطع بين التاريخي والاجتماعي والثقافي، أبرزها مقطع "مئة يوم واحتفالية" الذي تناول الإبادة الجماعية للأرمن وصعود رئيس الوزراء باشينيان وتجربته الإصلاحية، وكذلك استرجاع مرحلة انفصال أرمينيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1992.

كما خصص المؤلف مساحة للحديث عن الأرمن العراقيين ودورهم في مجالات التصوير والتجارة والصناعة، إضافة إلى مساهماتهم السياسية والأدبية، مسلطًا الضوء على شخصيات بارزة مثل آرا خاجادور ويعقوب سركيس.

*الزيارات اليومية وتفاصيل المشهد الأرمني

مارس الكاتب رياضة المشي للتفاعل مع الحياة اليومية في العاصمة يريفان، فزار معالم بارزة كمقبرة المشاهير التي تضم سياسيين وفنانين، منتقدًا غياب ثقافة الوفاء للرموز الوطنية في العراق بالمقارنة مع أرمينيا. كما تحدث عن جبل أرارات كرمز مقدس لدى الأرمن، وعن التعابير المهينة التي لحقت بهم تاريخيًا، معتبرًا أنها من تركة الاحتلال العثماني.

وزار أيضًا عددًا من الأديرة والكنائس التاريخية، من بينها دير "خور فيراب"، الذي يُعد أول من أطلق البشارة المسيحية في أرمينيا، كما استعرض جمال بحيرة "سيفان" التي وصفها مكسيم غوركي بـ"قطعة من السماء".

وتناول الكاتب أيضًا الحياة الاقتصادية والاجتماعية في القرى، مشيرًا إلى ظاهرة تحويل السيارات إلى منافذ لبيع المنتجات الزراعية، وعرج على أطعمة ومشروبات تقليدية كالكافيار والكونياك.

*شارع الغرائب ووسط العاصمة

أبرز المقاطع تشويقًا كان وصف الكاتب للتجول في وسط العاصمة الأرمنية، حيث نقل صورة حية للمشهد الثقافي والاجتماعي من خلال مشاهداته وتعليقاته، فزار المكتبة الوطنية وأُعجب بمبادرة التبرع بالكتب عبر مجسم برونزي مبتكر. كما زار متحف الإبادة الأرمنية حيث وجد وثيقة عربية تؤكد الفظائع، ولفت إلى كثافة المتاحف وثرائها، إذ تمتلك أرمينيا أكبر متحف للمخطوطات النادرة.

*الخاتمة:

"يوميات أرمينيا" ليس مجرد كتاب رحلات، بل هو مرآة ثقافية وتاريخية وإنسانية لدولة استطاعت الحفاظ على هويتها وسط التحديات. وقد أبدع الدكتور أحمد عبد المجيد في توظيف أدواته الصحفية ومهاراته الأدبية ليصوغ تجربة غنية تتجاوز حدود السياحة لتلامس عمق الروح الأرمنية. ولعل القارئ، وهو يتنقل بين صفحات هذا الكتاب، يشعر كما لو أنه رافق الكاتب في رحلته، يكتشف معه، ويتأمل، وربما يعيد النظر في واقع مجتمعه من خلال عدسة الآخر.

المخطوطة الفائزة بجائزة الساعاتي الدورة الخامسة عشر


مشاهدات 424
الكاتب حمدي العطار
أضيف 2025/05/28 - 3:33 PM
آخر تحديث 2025/06/04 - 2:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 384 الشهر 4106 الكلي 11138760
الوقت الآن
الأربعاء 2025/6/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير