الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما تصبح المرافق الصحية صفاً دراسياً

بواسطة azzaman

عندما تصبح المرافق الصحية صفاً دراسياً

علي الدليمي

 

في عراق باتت فيه المفارقات جزءاً من يومياتنا، لم يعد هنالك متسعٌ للدهشة؛ فقد اعتدنا رؤية ما لا تراه العين في بقعة أخرى من العالم، وسمعنا ما لا تطرب له الأذن من قصص التراجع الخدمي. من شمال الوطن إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، تمر بنا أحداث تجعلنا نتساءل: إلى أي مدى يمكن أن يصل الانحدار في البنى التحتية؟

إن الكتابة عن «سلبية مخجلة» اليوم، لا تعني أنها الوحيدة في الساحة، بل هي غيض من فيض، مئات، بل آلاف الحالات الأكثر سوءاً تضرب مفاصل الحياة المختلفة. وهي حالات كان من الممكن تلافيها لو وجدت خططاً حقيقية للتأهيل والبناء منذ اللحظة الأولى، بعيداً عن الحلول الترقيعية.

أن يتحول مرفق صحي مهدم إلى «قاعة دراسية» في مدرسة ابتدائية، فهذا ليس مجرد عجز في الميزانية أو نقص في عدد طابوق البناء، بل هو «سقوط حر» لمعايير الكرامة الإنسانية في مؤسساتنا التربوية. حين يجلس الطفل العراقي فوق أنقاض لا تصلح للاستخدام البشري ليتعلم «ألف باء» الحياة، حيث تحولت «المرافق الصحية» في تلك المدرسة إلى «صف دراسي» فوق أنقاضها.

أن يجلس التلاميذ في مكان كان يُفترض أن يكون مرفقاً صحياً، لقضاء حاجاتهم، فهذا لا يعكس فقط أزمة نقص الأبنية المدرسية، بل يمثل انتهاكاً صارخاً لكرامة الطالب والمعلم على حد سواء. فنحن أمام جريمة صامتة ترتكب بحق المستقبل. إنها صورة تختزل مرارة الواقع التعليمي، حيث يضطر الأطفال لتلقي العلم في بيئة تفتقر لأدنى مقومات الصحة والسلامة والبيئة المدرسية السليمة.

هذا المشهد ليس مجرد حالة فردية، بل هو جرس إنذار يقرع في أروقة المؤسسات التربوية. فالبناء الذي لا يُؤسس صحياً وتقنياً منذ البداية، يتحول مع مرور الزمن إلى عبءٍ يولد كوارث إنسانية وتربوية. إن تحويل حطام المرافق الصحية إلى قاعة درس هو «حل» يجسد العجز واليأس، ويضع مستقبل الأجيال القادمة على المحك.

إن هذه الظاهرة المخجلة التي رصدها المسؤولون مؤخراً ليست إلا قمة جبل الجليد لآلاف الحالات المشابهة. الأزمة ليست في «المكان» فحسب، بل في «عقلية الترقيع» التي تدار بها مؤسساتنا، حيث تعالج الكوارث بمسكنات، وتبنى المدارس بالتصريحات بينما يفتش التلاميذ عن موطئ قدم بين الركام.

كيف نخرج من نفق «الصفود - الأنقاض»؟

 


مشاهدات 54
الكاتب علي الدليمي
أضيف 2025/12/29 - 11:50 PM
آخر تحديث 2025/12/30 - 1:50 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 75 الشهر 22190 الكلي 13006095
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير