الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يعجزون.. يغطون الشمس بغربال

بواسطة azzaman

حين يعجزون.. يغطون الشمس بغربال

جليل إبراهيم المندلاوي

 

في كل استحقاق انتخابي تتحول الساحة السياسية في العراق إلى مسرح لمحاولات يائسة تهدف إلى "ذر الرماد في العيون" إن جاز التعبير، فبدلا من أن تتنافس الكتل السياسية بعروضها التنموية وبرامجها الإصلاحية نجد بعضها يختار الطريق الأقصر وهو تشويه الآخر والنيل من إنجازاته، وهذا المشهد يتكرر مع كل موسم انتخابي، لتعود ذات الأسطوانة المخدوشة لتصدح معلنة بدء عرض سيرك كبير، في نفس الخيمة، نفس الوجوه، ونفس الطبالين، فقط يتغير لون اللافتات، حيث تخرج بعض الأصوات من قبو الماضي تحمل في يدها "غربالا" تعتقد بسذاجة أنها ستستطيع به حجب شمس إقليم كوردستان، حيث لا تجد بعض الأطراف ما تقدمه لجمهورها سوى الكلام المرتجف والشعارات المتخشبة لتنشغل بمحاولات تشويه بائسة يعرف أصحابها قبل غيرهم أنها لا تصمد أمام ضوء النهار، في محاولات يائسة للنيل من إنجازات الإقليم وتشويه صورة الحزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس مسعود بارزاني كي لا يرى أبناء الشعب العراقي ما تحقق من إعمار وتنمية في ربوع كوردستان.

وهذه الأطراف السياسية تعرف نفسها جيد، وتعرف تاريخها ونتائجها وفواتيرها غير المدفوعة أمام الناس، لكن بدل أن تواجه الحقيقة تفضّل الهروب إلى أسهل لعبة في السياسة العراقية: الهجوم على إقليم كوردستان، وكأن قدرها هو الوقوف على أطلال مدنها المهدمة ومهاجمة المدن التي نهضت من رماد الحرب لتبني حياة، حيث شمس كوردستان التي ترتفع كل عام بثمار جديدة، من عمران وخدمات واستقرار نسبي ومؤسسات تتطور ووعي مجتمعي يمشي نحو الأمام لا الخلف، لكن البعض يزعجه هذا المنظر، فكيف يمكنهم إقناع مواطنيهم بأن الخراب قدر وأن الفوضى مصير إذا كانت كوردستان تقول العكس تماما؟

المسألة ليست معقدة، فإذا كنت عاجزا عن بناء مدرسة، فأسهل شيء أن تشتم من بنى جامعة، وإذا كنت لا تستطيع تنظيف شارع واحد، فلا بد أن تنكر وجود طرق معبّدة في أربيل ودهوك، وإذا كانت ميزانيتك تختفي في الطريق، فأفضل حل هو أن تتهم الآخرين بالفساد لأنه هكذا تبدو الأمور عادلة، وهنا تبدأ الحكاية.. ففي كل مرة تطل فيها الانتخابات برأسها يتحفنا البعض بفتاوى حول الإقليم وكأنهم وجدوا أسرار الدولة العميقة، يخرجون إلى الإعلام بنبرة "لدي معلومات خطيرة"، لنكتشف في النهاية أن كل ما لديهم مجرد اتهامات منتهية الصلاحية رفعت عنها الثقة الشعبية منذ سنوات تماما كعلب الأطعمة التي توزع في مواسم الحملات الانتخابية، وينطلق المشهد عادة هكذا.. يقف أحدهم أمام الكاميرا يلبس بدلة أكبر من مقاس حجمه السياسي الحقيقي ويقول: "نحن نملك وثائق خطيرة عمّا يجري في كوردستان"، ننظر جيدا لنكتشف أن "الوثائق" عبارة عن صفحة فيسبوك و"المصادر" هي مخبر رفض الكشف عن اسمه، والسبب ببساطة ليس لأن كوردستان ارتكبت جريمة، وليس لأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني أخطأ، ولا لأن الرئيس مسعود بارزاني غيّر اتجاه الشمس، بل لأن النجاح يوجع ويكشف العجز ويشعل الغيرة البليدة، فما الذي يفعله هؤلاء سوى أنهم يرفعون أصواتهم في الإعلام يطلقون الاتهامات مثل إطلاق الألعاب النارية الرديئة في الأعراس الشعبية، مجرد ضجيج كثير وضوء قليل والنتيجة لا شيء يذكر.

والغريب أن هذه الحملات لا توجّه فقط نحو الإقليم ككيان دستوري بل نحو من حقق هذه الإنجازات فعليا وهو الحزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس مسعود بارزاني، ذلك الرجل الذي شئنا أم أبينا، ارتبط اسمه بثبات الموقف وحماية الهوية وعدم التنازل عن كرامة الناس، ومشروع سياسي لم يتغيّر بتغيّر الفصول والحكومات والأزمات، ولأن البعض لا يطيق رؤية نموذج ناجح داخل نفس الخريطة يبدأون بإطلاق "التهم الموسمية" كمن يرش الملح على عيون الناس لئلا يروا الحقيقة، فالحزب الديمقراطي الكوردستاني، أصبح بالنسبة لهم عقدة نفسية متكاملة، فكيف لحزب أن يستمر هذا الزمن، ويحافظ على جمهوره، ويظل هو اللاعب الأبرز، بينما أحزابهم تشبه الأمطار الموسمية.. وكيف يظل مسعود بارزاني اسم حاضر ثابت يذكر باحترام؟ بينما أسماءهم لا تلمع إلا تحت إضاءة استوديوهات الفضائيات المدفوعة الثمن.

المشكلة ليست في الإقليم، بل في المقارنة، والمقارنة لا ترحم، فكوردستان اليوم ليست جنة، ولا أحد ادعى بذلك، ولكنها تجربة تمضي إلى الأمام، والإقليم ليس ثقب أسود ولا غرفة مظلمة ولا بئر أسرار نووية، فالناس تزوره كل يوم، تتجول فيه، تتناول مختلف الأطعمة في مطاعمه وتشرب الشاي في مقاهيه، وتعود لتقارن، فالحقيقة ليست سرا، بل ترى بالعين المجردة، لكن البعض يفضل ذر الرماد في العيون، لأن الرؤية مؤلمة لمن يخاف الحقيقة، فالحقيقة مؤلمة لمن لم ينجز شيئ سوى الخطابات، فترى أحدهم يصرخ على الفضائيات قائلا: "يا جماعة لا تصدقوا ما ترونه في أربيل ودهوك والسليمانية هذا كله مؤامرة"، وفي الحقيقة لم تكن المشكلة يوما في كوردستان، ولا في تجربة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولا في شخصية الرئيس بارزاني، المشكلة دائما تكمن في هؤلاء الذين يخافون من المقارنة، فالإنجاز الحقيقي مرآة، والمرآة لا ترحم من اعتاد الهروب من وجهه، ولأن إنجازات الإقليم تشكل مرآة تكشف تقصيرهم وتبين أن التقدم ممكن عندما تحكم الرؤية الواضحة والإدارة النزيهة، فبينما كانت كوردستان تبني وتعمّر كان غيرهم يغرق في مستنقع الفساد، وبينما كان الرئيس بارزاني وحزبه يضعان أسس الدولة المدنية منذ عام 1992 في أول انتخابات حرة في تاريخ كوردستان كان الآخرون ينهبون ثروات العراق ويحولونه إلى ساحة لتصفية الحسابات.

في النهاية تبقى الحقائق ثابتة وتبقى كوردستان شامخة ويبقى الحزب الديمقراطي الكوردستاني عميق الجذور في الوعي الشعبي ويبقى الرئيس مسعود بارزاني في قلوب جماهيره كما كان دائما، ليس لأنه يرفع شعارات جذابة، بل لأنه يحترم الأرض والشعب والتاريخ، أما الآخرون؟ فسيمضون في حملاتهم وسيمضون في الكلام وسيمضون ثم ينسون.. وستبقى العجلة تدور إلى الأمام لمن اختار البناء بدل الضجيج، والثقة بدل الخوف، والوطن بدل الخطابات الفارغة، فالحزب الديمقراطي الكوردستاني لا يستمد قوته من الدعاية، ولا من ضجيج الإعلام، بل من ناس يعرفون ماذا يمثل هذا الحزب لهم وماذا يمثل الرئيس بارزاني لهم.. كرامة استقرار وذاكرة نضال لا تشترى، فمن يبقى في قلوب الناس لا يحتاج أن يصرخ كي يسمعه الآخرون، يكفي أن يمشي فتتبعه الأعين، ومن لا يملك ما يقدم سيستمر بالصراخ، والصراخ لا يبني دولة، والاتهام لا يعمر مدينة كما إن الغيرة لا تصنع تجربة، ووسط ضجيج الحملات الانتخابية والتشويه الإعلامي يبقى الدستور العراقي هو السلاح الأقوى الذي يحمله الكورد في وجه المتربصين، لذا فإن ما يزعج أعداء كوردستان أن الدستور يعترف بوضوح بأن العراق دولة اتحادية وليس مركزية وأن "الدولة المركزية انتهت بعد عام 2003"، فكل محاولات العودة إلى عقلية المركزية البغيضة مصيرها الفشل.

وفي النهاية فإن عجلة التقدم التي يقودها الحزب الديمقراطي الكوردستاني ستواصل مسيرتها إلى الأمام تحمل في داخلها إرادة شعب رفض الظلم وقهر الصعاب، وتجربة تنموية ستظل نبراسا يهتدي به كل العراقيين عندما يعودون إلى رشدهم ويتركون وراءهم ثقافة "الإحباط وفقدان الانتماء" التي يحاول البعض نشرها بين أبناء الشعب، كما إن الشمس لن تغطى، والطريق واضح لمن سار، والتقدم يمضي رغم التهكم ورغم الغبار المفتعل.. ويمضي إلى الأمام، وليواصل المتربصون محاولاتهم اليائسة وليحملوا غرابيلهم البالية فشمس كوردستان قد أشرقت ولن يحجبها أي غربال يحملونه.

 


مشاهدات 113
الكاتب جليل إبراهيم المندلاوي
أضيف 2025/10/27 - 5:09 PM
آخر تحديث 2025/10/28 - 2:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 78 الشهر 18722 الكلي 12158577
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/10/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير