الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قصّتان بخيط واحد

بواسطة azzaman

سرد قصصي

قصّتان بخيط واحد

وجدان عبدالعزيز

 

الرصيف الأول للشارع الممتد، وحافة النهر من الجسر الرئيسي، حتى جسر الخشب المتهرئ . النهر بكل هلوساته وتقادمه تصطف على شاطئه المأسور بهياكل قلوب متعبة جداً، وعلى طول الرصيف الآخر، الذي يقابل صف الأشجار تلك التي تتبعثر في حالة غزل بريء ودائم مع صباحات النهر ومساءاته ، أما الرصيف الآخر الذي يقابل صف الأشجار تلك تتبعثر على امتداده ، البلدية ، المستشفى ، الحديقة العامة ، المكتبة المركزية ومدرسة للبنات، وكل هذه تلفّعت هي الأخرى بصف من الأشجار ذات السيقان المنخرطة وشجيرات ذات أنساق مختلفة مدلاة كأذرع ضفدعة مخضرة اللون . الشارع لا يهدأ أبداً . ويشتد الزحام فيه بعض الشيء، حالما تميل الشمس نحو الأفق الغربي من المدينة، إنه احتفال بدون مناسبة بهيج جداً، كواعب أتراب ذوات خصور ضامرة، وثمة أسماك عابثة وسط الماء وأسمال من أوراق تداعبها أنامل أطفال، عالم قد يكون غير مرئي حسب الظن، يذوب في ذاكرة عشقتها الصبايا، عالم مدينة صغيرة تغفو منذ ملايين من وحدات الانتظار وملايين من وحدات الألم والحب، هو أشبه ما يكون بـ … موجات وطيور وخدود مكتنزة ومساند من الرغبات الباهتة في صباح مشرق، ورياح تغازل الخاطر، لا بأس وأنت في خضم هذا أن تتكرر في نقطة مضيئة واحدة، وقد تستعيد بعضاً من وقارك الملفق، ثم تلج في عالم ثالث متفتح، حيث تخرج كلؤلؤة باستحياء أنثوي، يكشف عن سحر نهري واضح، وتتجلى عين الشمس من هنالك بارعة التبحلق في دائرة وجهها .

 الحيرة أحياناً تقفز سلم القلب والجسد المنهك، ثم تتضاءل عند حلم العصفور وفمها، ثم يبدأ الشارع بطقوس الانزواء، هكذا يبدو لك، وقد يذهب هذا الخضم هباءً، حالما الشارع يفتح فاهاً، لتنتقل أنت وهي إلى مدينة أخرى، تحت سفح النهر فيها أشجار، غير خضراء تماماً ممددة، أثمار مبعثرة، وبعض من وحدات الجمال، لتترجل حالاً وتنوي..، لكنها تسرج على فرس حفظتَ لونها وقوائمها وسيرها وعثراتها، تطلب هذه المرة أمنيات بطيور ألوانها، حسب الخاطر، أو أي لون آخر يعزف لعله لحن الاقتراب، ثم تحتضن فراغاً لتراقص رياحاً شاردة الذهن في حدائق (جان دمو) على أقل تقدير .

 لا بأس فلتكن وحيداً مخذولاً تعانق قارعة الطريق، أو الرصيف لكنك ستقطف حتماً ثمر شهرزاد، لتعلن، ولكنك تحجم .

 تظهر الرغبة ذات الكفوف وتتخطى فسحة الخاطر ظناً أنها شيء مهم يطفح شيئاً فشيئاً وحافة لنهر ... النهر في غلوائه حاملاً نبوءات قلب يتعكز على أوتار نبضه، ليتبين ضبابية هالةٍ بعيدة المنال . ثم أن كفاً مختلفة في اتجاهات الهدف، تمر مدفوعة مشفوعة بمسافات الاقتراب، لولا مسارها الأول، لكانت تغازل الأولى، لكن الثانية مكثت قليلاً وغادرت لحظات الهدوء، لا تعبأ بآخرين يشكلون إعراضاً شبه تام بعدم العناية، بيد أن الكف الأولى تبدأ معرضة غير عابئة ببهرجة التمسك الأولى، ثم تبدو خيوط الاستحياء من بعيد واهنة هذه المرة، والفتاة بكفيها المحناة لازالت تصر على ارتداء بدلة بيضاء، ليست فضفاضة، لتناغي جسدها الأهيف فمنصة الاحتفالية جاهزة، وثمة مايكرفون ونخبة من الفتية يتطلعون برقاب فضولية يتأبط البعض منهم آلات موسيقية، امتلأت القاعة بنصفها ليس بالتمام، وفتيات يراقصنَّ الفراغ، يتضاحكن تراهن من خلل الأضوية المنزلقة، ثم تبدأ معزوفة أولى، فثانية يتطلّع، هو الآخر برقبة ليست حيادية إلى أسفل السلم، فتضيق المسافات، لتطويه المعزوفة الثالثة في عالم آخر ليبدأ معزوفته الخاصة جداً، وهو يتذوّق طعم الثمر جيداً، ويذوب في تأملات ليلة قادمة …

 

ـ القصة من مجموعتي القصصية الصادرة من مجموعتي القصصية الصادرة من دار الشؤون الثقافية العامة/ وزارة الثقافة العراقية سنة 2000


مشاهدات 44
الكاتب وجدان عبدالعزيز
أضيف 2025/10/25 - 5:54 PM
آخر تحديث 2025/10/26 - 2:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 88 الشهر 17229 الكلي 12157084
الوقت الآن
الأحد 2025/10/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير