فم مفتوح .. فم مغلق

الفنانون على طريق الصواب

زيد الحلي

لم يكن الوسط الثقافي والفني العراقي بحاجة إلى سجال جديد يُعمّق فجوة الثقة بينه وبين مؤسسات الدولة، بقدر حاجته إلى جسر تواصل صادق يُعيد الاعتبار لدور الإبداع في ترميم صورة الوطن ، ومع الأسف، جاءت أزمة لجنة الثقافة والسياحة والاثار والاعلام في مجلس النواب مع نقابة الفنانين لتكشف عن خللٍ في ترتيب الأولويات، وعن غياب واضح لدور هذه اللجنة طوال السنوات الماضية، ثم حضورٍ مفاجئ في الوقت الخطأ ومن الباب الخطأ.

لقد أثبتت نقابة الفنانين، ومعها اتحاد الأدباء والكتاب، أنّ العمل الثقافي في العراق ظلّ يقوم على جهود ذاتية ومبادرات فردية، لا على دعم مؤسسي من الدولة أو البرلمان. فهذان الكيانان، رغم محدودية الإمكانات، حملا عبء المشهد الثقافي العراقي، ونظّما المهرجانات والندوات والمعارض، واحتضنا المبدعين، فيما ظلت اللجنة الثقافية النيابية غائبة عن كل ذلك، كأن الثقافة ليست ضمن مسؤولياتها التشريعية والرقابية.

إنّ المدهش والمؤسف في آنٍ واحد، أن تستفيق اللجنة اليوم لتطالب بإبعاد نقيب الفنانين المنتخب د.جبار جودي بسبب رأيٍ أو تصريحٍ لم يُرضِ بعض أعضائها. وهي خطوة تُذكّرنا بذهنية الوصاية التي تجاوزها الزمن، إذ لا يُعقل أن يُحاسَب مثقف أو فنان على رأيٍ يندرج ضمن حرية التعبير التي كفلها الدستور , فالفنان ليس موظفاً في سلطةٍ تنفيذية حتى يُقاس موقفه بمعيار الولاء أو المخالفة، بل هو ضمير المجتمع وصوته الحر.

كان الأجدر باللجنة الثقافية أن تُقيم علاقة شراكة حقيقية مع النقابات والاتحادات الثقافية، وأن تُحوّل طاقتها إلى دعم مشاريع الفن والأدب، وسنّ القوانين التي تضمن حقوق المبدعين، بدل الانشغال بخلافٍ لا طائل منه سوى تكريس القطيعة بين البرلمان والمثقفين.

إنّ الدفاع عن نقابة الفنانين واتحاد الأدباء ليس دفاعاً عن أشخاصٍ بقدر ما هو دفاع عن الفعل الثقافي الحرّ في العراق، الذي ظلّ، رغم كل الظروف، مساحةً للضوء والجمال والعقل, فحين تخفت أصوات السياسة ويعلو غبار الانقسام، يبقى الفن والأدب هما الحبل الذي يشدّنا إلى فكرة الوطن الواحد.

ويبقى السؤال الذي لا بدّ أن تواجهه اللجنة الثقافية بكل شجاعة, أين كانت طوال هذه الدورة البرلمانية من معاناة الفنانين، ومن تدهور البنى التحتية للمسارح ودور السينما، ومن غياب ميزانيات الدعم للمهرجانات والنتاجات الثقافية؟ ولماذا يظهر صوتها فقط عندما يتعلق الأمر بخلافٍ شخصي مع نقيبٍ منتخب أو رأيٍ في الإعلام؟

اقول بثقة ، إنّ على اللجنة الثقافية أن تعي أنّ الثقافة ليست ساحة صراعٍ سياسي، بل فضاءٌ للحوار والإبداع، وأن احترام النقابات والاتحادات هو احترام للعراق نفسه، بكل ما يحمله من تاريخٍ فنيّ وأدبيّ وإنسانيّ مجيد.

Z_alhilly@yahoo.com