الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق في معركة الاستدامة الصامتة

بواسطة azzaman

العراق في معركة الاستدامة الصامتة

سالي خليل

 

تُعدّ التنمية المستدامة أحد أهم المفاهيم التي تُشكّل محور التفكير في مستقبل الدول، كونها تُمثّل توازنًا بين حاجات الحاضر ومتطلبات الأجيال المقبلة، وإذا كانت كثير من الدول قد قطعت أشواطًا في هذا المسار، فإنّ التجربة العراقية لا تزال تراوح عند نقطة الانطلاق، لأسبابٍ مركّبة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والبيئية.

في العراق، تُطرح قضية التنمية المستدامة ضمن سياقٍ خاص يتأثّر بتاريخٍ طويل من الأزمات، بدءًا من الحروب والحصار وصولًا إلى التحديات الاقتصادية والبيئية المعاصرة، فبينما تملك البلاد ثروة بشرية ومادية كبيرة، ما زالت الفجوة بين الإمكانات والنتائج قائمة، إنّ الخلل لا يكمن في غياب الموارد، بل في ضعف استثمارها، وغياب الرؤية طويلة الأمد التي تجعل التنمية مشروعًا وطنيًا لا مرحليًا.

إنّ التنمية المستدامة لا تتحقق بالمشاريع العمرانية وحدها، بل تحتاج إلى بنية فكرية وثقافية تُرسّخ مبدأ المسؤولية الجماعية، وتُعزّز الوعي بأنّ التقدّم الحقيقي يبدأ من الإنسان، فالمجتمع الذي يُهمل التعليم والبيئة والعدالة الاجتماعية، مهما توسّع في البناء، يبقى يفتقر إلى الأساس الحقيقي للتنمية، كما تواجه التجربة العراقية في هذا الإطار جملةً من التحديات، لعلّ أبرزها ضعف التنسيق المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي، إذ تتعدّد الجهات المعنية دون وجود إطارٍ شامل يربط بينها، كما تُمثّل البيئة والتغيّر المناخي تهديدًا حقيقيًا للأمن المائي والزراعي، ما يجعل تحقيق الاستدامة مرهونًا بإدارة رشيدة للموارد الطبيعية.

أمّا الجانب الاجتماعي، فهو لا يقلّ أهمية، إذ ترتبط التنمية المستدامة بالعدالة وتكافؤ الفرص، وبتمكين الشباب والنساء من المشاركة في صنع القرار، إنّ أي نهضة لا يكون الإنسان محورها ستبقى ناقصة مهما حقّقت من أرقامٍ ومؤشرات.

ورغم الصورة المعقّدة، فإنّ الأمل لا يغيب، فجيل الشباب العراقي يمتلك وعيًا متناميًا تجاه القضايا البيئية والاقتصادية، ويُشارك في مبادراتٍ تطوعية ومجتمعية تحمل في جوهرها بذور التنمية المستدامة، هذه الجهود وإن كانت محدودة، إلّا أنّها تُمثّل اتجاهًا جديدًا نحو بناء ثقافة إنتاجية ومسؤولة، تُؤمن بأنّ التنمية تبدأ من الفرد وتتسع لتشمل المجتمع بأكمله، كما إنّ تحقيق التنمية المستدامة في العراق ليس حلمًا بعيد المنال، بل مسارًا طويلًا يحتاج إلى إرادة مؤسسية، وتخطيطٍ علمي، وشراكةٍ مجتمعية، إنّها مسؤولية الجميع، الدولة والمواطن والمؤسسات، لإعادة صياغة العلاقة بين الإنسان وموارده على نحوٍ يضمن حياةً كريمة اليوم ومستقبلًا آمنًا للغد.

على الرغم ما يُحيط بمفهوم التنمية المستدامة في العراق من صعوباتٍ وتحديات، إلّا أنّ الأمل لا يزال قائمًا، والفرص لم تذهب بعد، فكل خطوة صغيرة نحو التعليم، وكل مبادرة بيئية، وكل مشروع وطني صادق، هي بذرة في أرضٍ قادرة على النهوض من جديد، إنّ طريق التنمية ليس طريقًا مُعبّدًا، لكنه طريقٌ يستحق أن نؤمن به، لأنّ في كل جهدٍ مُخلص نبضًا من العراق الذي يُريد الحياة، فحين تتوحّد الإرادة وتُستعاد الثقة، يمكن أن يتحوّل التأجيل إلى انطلاق، ويصبح الحلم مشروعًا حقيقيًا للمستقبل.


مشاهدات 82
الكاتب سالي خليل
أضيف 2025/10/25 - 5:59 PM
آخر تحديث 2025/10/26 - 3:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 88 الشهر 17229 الكلي 12157084
الوقت الآن
الأحد 2025/10/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير