كلام أبيض
النخيل يموت واقفاً
جليل وادي
مع انها أرض رملية ، وأجواؤها صحراوية ، وخالية من المياه، الا ان الطريق الرابط بين دبي وأبو ظبي زُرع جانباه بأشجار النخيل ومن الأنواع المميزة، وتُسقى عبر أنابيب بلاستيكية، بالتأكيد ما يقوم به الاخوة الاماراتيين فعل يستحق التقدير والثناء، وهو استراتيجية زراعية لها من المنافع ما يتجاوز الغذاء، بينما يُعدم نخيلنا حرقا ثم يجّرف من جذوره الراسخة في الأرض منذ الأزل، وتسوى أرضه ليتاجر بها الجهلة الذين لم يسمعوا او يقرأوا حديث نبينا الكريم (بيت لا تمر فيه جياع أهله)، يحضرني طريق أبو ظبي كلما مررت بطريق الدورة فيتمزق قلبي حزنا وألما لمرأى آلاف النخل المقطوعة الرؤوس تمهيدا لقلعها، فتحرم بغداد من مساحات خضراء كانت لوقت قريب مكملة لجمالها وأناقتها وصحتها، فلم يبق لساكيني المناطق القريبة منها سوى دخان وغازات مصفى النفط بروائحه الكريهة.
لم يُهمل النخيل في بلادنا التي كانت الأولى في العالم بزراعته وانتاج تموره كما يُهمل الآن، لتتراجع أعداده من ثلاثين مليون نخلة الى (15) مليون نخلة، بمعنى ان نصف هذه النعمة اهدرت ، ليحتل العراق مركزا متأخرا في تصدير التمور بعد ان كان متقدما عالميا، ومع ذلك لا ضمير تحرك ولا عقل فكر في المستقبل، وكأننا استسلمنا لإرادة العابثين بثرواتنا، فلم نسمع من حكوماتنا المتعاقبة يوما ان اتخذت اجراء حاسما للبحث في أسباب هذا التراجع، والسبل الكفيلة لإعادة تأهيل هذا القطاع الزراعي المهم، لتعود بلادنا الى مكانتها السابقة. فالوطنية يا سادة يا كرام ليس كلاما يُقال او شعارا يُرفع ، بل اخلاصا يتجسد في سلوك من شأنه حماية المستقبل بإدامة أمننا الغذائي، والا بماذا نفسر اهمال بساتين النخيل لتأكلها الديدان والحشرات من دون أن تقوم دوائر الزراعة التي تكتظ بالموظفين بحملات المكافحة المطلوبة، وتركت الأمر على عاتق الأفراد، بعد أن كانت في عقود سابقة تُكافح بالطائرات الزراعية التي لم نرها منذ الاحتلال البغيض وحتى الآن، ولا ندري ما الأسباب التي تحول دون ذلك؟. فاذا كانت المحاذير أمنية، أتمنى أن تأخذ وزارة الدفاع على عاتقها هذه المهمة الوطنية، اما اذا كان العائق ماليا، فلا أظنه عذرا مقنعا بعد أن مضى عقدين من الزمن على التغيير السياسي، بخاصة ان الأمن الغذائي ليس بأقل أهمية من أشكال الأمن الأخرى، ما يستدعي شراء هذه الطائرات، اما اذا كان العائق خارج السيطرة كما نسمع ولا أريد الحديث بحسب السماع، فالأمر يستدعي وقفة شجاعة، وبدونها مَنْ يدير شؤون البلاد ليس قائدا.
أصحاب البساتين الذين لم تغرهم العروض المالية الطائلة المقدمة لهم من المتاجرين بالأراضي لشرائها وتحويلها لأراض سكنية، بالرغم من ان مردودات بساتينهم غير مجزية، بل حتى انها لا تسد كلف الانتاج، صاروا اليوم يتوسلون بالجهات المعنية لمكافحة الأمراض المزمنة التي تتعرض لها بساتينهم، والآفات الحشرية التي أتلفت أشجارها وثمارها كسوسة النخيل الحمراء والدوباس وعنكبوت الغبار وغيرها.
ثلاثة أمور دعتني للكتابة في هذا الموضوع، أولها عُلب الدبس اللذيذ وتمر البرحي المجمد التي أهدتها لزوجتي جارتنا العزيزة التي تملك نخلة واحدة فقط في حديقة منزلها، ما ذكرني بمكبس التمور ومعملي المعجون والعصائر في منطقتنا المعطلة منذ أكثر من عشرين عاما، بينما كانت مصدرا لرزق خمسة آلاف عائلة بالتمام والكمال، وثانيها العبارات التي كادت تقطر دما ودمعا التي علّق بها أحد الأصدقاء على فيديو يصور كيف تنخر السوسة الحمراء جذع نخلة تقف شامخة في بستانه، والثالث الاهتمام الكبير الذي أولاه السيد رئيس جامعة ديالى الاستاذ الدكتور تحسين حسين مبارك الذي أفرد مساحة زمنية ليست بالقصيرة من اجتماع مجلس الجامعة للحديث عما تتعرض له بساتين المحافظة من تحديات خطيرة، وتوجيهه الحازم لعمادة وأساتذة كلية الزراعة بان تخصص بحوثهم لدراسة الأمراض والاصابات والعوامل التي تؤثر في نمو أشجارها ووظائفها الحيوية. وعودا على بدء أود التذكير بان العراق يُعد من أبرز المساهمين في استحداث أول جامعة في دولة الامارات العربية الشقيقة.
jwhj1963@yahoo.com