الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين الغِنى والفضيلة

بواسطة azzaman

بين الغِنى والفضيلة

سعد محمد الكعبي

 

في عالم يزداد فيه طغيان الماديات وتَفقد فيه القيم بوصلتها يطل   سؤال قديم لا يفقد أهميته ,هل الغِنى بوابة نحو الفضيلة أم طريق مُلتف يقودنا بعيدًا عنها

قال الحكماء قديمًا ,المال شيء خارج الجسد المادي ,عبارة تبدو بسيطة لكنها تحمل في طياتها فهمًا عميقًا لطبيعة الإنسان والمال معًا فالمال ليس جزءًا من جوهر الإنسان لا يسكن قلبه ولا عقله ولا يزيد من قيمته الحقيقية هو أداة خارجية يمكن أن يستخدمها في الخير أو الشر لكنها لا تُعرّف من يكون فكما يولد الإنسان بلا مال يموت ويتركه خلفه ويبقى ما فعله به هو وحده ما يُحسب له أو عليه.

ورغم إدراك الناس لذلك لا يتوقف السعي خلف المال الشاب يبحث عنه ليبني ذاته والمرأة تطمح إليه لتعيش حياة أنيقة مستقلة والمسنّ يحتاجه ليضمن كرامة شيخوخته، والموظف يسعى إليه ليوفي بمتطلبات معيشته.الجميع بطريقة أو بأخرى يركض خلف المال, لكنه نادرًا ما يسأل نفسه لماذا؟

غير أن الخطر لا يكمن في السعي بل في ما يرافقه ففي زحمة الركض تضعف المعايير الأخلاقية أحيانًا هناك من يُضحّون بمبادئهم ومن يتقاتلون ويتنافسون بشراسة ومن يُقبلون على الغش والاحتيال بل حتى على العنف من أجل تحقيق أرباح سريعة في مثل هذا المناخ يُصبح المال سلطة تُغري الحاكم والمسؤول وتدفع كثيرين إلى أسوأ صور السلوك الإنساني.

وحين تتحول المجتمعات إلى مقاييس مادية بحتة يُقاس فيها الإنسان بما يملك لا بما يُقدّم، تتآكل الفضائل بهدوء يصبح الثراء هو المعيار ويُهمّش العقل ويُختزل الضمير ويضيع صوت القيم.

لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن المال في ذاته ليس شرًّا كما أنه ليس فضيلة هو أداة حيادية بطبيعتها تأخذ شكل من يستخدمها.

يمكن للمال أن يكون وسيلة لصون الكرامة ودعم المحتاج وتمويل العلم وبناء الحضارات كما يمكن أن يكون أداة للفساد والاستغلال والدمار.

إن التحدي الحقيقي ليس في امتلاك المال بل في امتلاك القدرة الأخلاقية على التعامل معه وهنا يبرز سؤال لا بد منه هل ما نملكه من مال يعكس من نحن؟ أم أن ما نحن عليه يجب أن يتحكم في ما نفعله بالمال؟

بين الغِنى والفضيلة مساحة رمادية لا ينجو فيها إلا من يُبقي المال في جيبه لا في قلبه.فالقيمة الحقيقية للإنسان لا تُقاس بالأرصدة بل بالمواقف ولا تُبنى بالذهب بل بالمبادئ.

ويبقى السؤال مفتوحًا أمام كل ضمير حيّ

هل نملك المال... أم أنه بات يملكنا؟

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 39
الكاتب سعد محمد الكعبي
أضيف 2025/09/13 - 11:46 AM
آخر تحديث 2025/09/13 - 2:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 449 الشهر 9045 الكلي 11926918
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير