الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعضهم.. قبض ريح

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

بعضهم.. قبض ريح

محمد صاحب سلطان

 

من أجمل ما تعلمت على إمتداد سنين العمر ،هي أفكار أولئك الذين يصورون الحياة كلحظات عابرة سرعان ما تختفي بقضها وقضيضها، يتحملون الألم وصعوبة العيش بإبتسامة الرضا والقناعة والقبول بما وهبه الرحمن جل في علاه، فهم مثل شمعة لا تحترق لتذوب، بل تذوب لتتوهج، وتتوهج لكي يرى الآخرون، وعلمتني معاشرتهم والتلمذة على أيديهم الكريمة، من إن المرء لا يعيش ليموت، بل يضحي بنفسه ليعيش الآخرون، وعلموني كيف أبحث عن الحقيقة في الحياة، وكيف أبحث عن الحياة في الحقيقة!، فهم دائماً ما كانوا يذكرون طلبتهم من إن العبرة ليست في طول الحياة أو قصرها بل العبرة في عمق الحياة أو ضحالتها، وإن للإبتسامة في وجوه المتعبين والمظلومين، فعلا سحريا في شفاء نفوسهم العليلة،لإنها في العادة وعن طريق الإبتسام، تأخذ من الحياة أكثر مما تأخذه بالتقطيب والعبوس!

أحد أولئك الأفذاذ إتصلت به قبل أيام  ،فلم يرد ،وخشيت أن يكون قد وقع له أو لعائلته الكريمة مكروه، مما إضطرني إلى الإتصال بقريب له، فرد علي والأسى يعتصر صوته الحزين، من إن أستاذنا يعاني على كبره، عسر الحال ومن ضيق مادي، أجبره على مغادرة داره، لإن راتبه التقاعدي لا يكفي لمتطلبات العائلة بأدنى إحتياجاتها، وأستاذنا هو بروفيسور مختص بالإقتصاد، تأبى نفسه أن يكون تحت جنح من لا ذمة لهم في إدارة الاقتصاد والسوق، من خلال رفضه التعاون مع السراق كمستشار في شركاتهم، من الذين ظهروا بعد أن ضعفت كوابحنا الإجتماعية، فتضخمت وحشية الإكتناز في نفوسهم المريضة، عندها تذكرت إحدى مناقشاته التي حضرتها مستمعا، ومقولته التي أثارت في حينها، الكثير من النقاش الفلسفي المعمق لدى المختصين الحاضرين، داعما بطرحه ما قاله (هوارس ولبول) الذي لخص تجربته الحياتية بالقول (إذا كانت الحياة ملهاة في نظر الإنسان الذي يفكر، فإنها مأساة في نظر الذي يشعر)، إذن الشعور بالآخرين هو الأساس في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، لإن ركائز الحياة البشرية هي الفكر والفعل والقول، ومباهجها هي الحب واللعب والضحك!، أحد الحاضرين و كان من (تجار الصدفة)وأثرياء الزمن الأغبر،  علق متهكما باستهزاء بإن نظرية (الخمط) هي الأساس في الحياة ، إبتسم الأستاذ وهو يردد ما قيل على لسان النبي سليمان (الكل باطل وقبض ريح)، وما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي باسكال (لقد أبحرت بنا السفينة وليس في وسعنا سوى أن نمضي)... وهكذا هي الحياة، ناس صاعدة وناس نازلة، ناس ذاوية مثل غصن لم يعد يصلح إلا للنار، وآخرين يشعرون بأنهم كالينابيع لا تملك إلا أن تفيض عطاءا ومحبة، برغم قساوة الحياة التي باتت مثل قارب فارغ علينا أن نملأه، إما بأفعال تسعد، أو بأخرى تحزن، جنبنا الله وإياكم من شرورها!؟

 

 

 


مشاهدات 73
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/09/13 - 11:50 AM
آخر تحديث 2025/09/13 - 2:12 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 453 الشهر 9049 الكلي 11926922
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير