سيد هاشم الحلاق
وجيه عباس
في فترة المراهقة ، يتفق شباب المنطقة على ماركة او رمز تكون مختلفة عن غيرها، حتى لو لم يكن الاتفاق شفويا او تحريريا، الأعمار المقاربة وهمومها وهي تدخل هذه المرحلة التي تتحول فيها الاعصاب الى مفخخات والعيون الى رمانات هجومية من اجل الوصول الى لحظة انفجار، هل استطعت ان اوصل لكم (معنى الاستنياچ؟)، كنا نمشي في الشوارع عبارة عن اعضاء نابتة على الارض!!....
كان سيد هاشم الاطول قامة والاوسم في جيله في منطقة البلديات في الثمانينات، الذي يشاهده يتصوره مسيحيا اولا.. ثم اجنبيا...لكن المفاجأة حين تعرفنا عليه انصدمنا انه علوي ومن السادة الموالي.
كتلة من الجنون المعقلن، تصوروا انه كان يلبس البالطو الابيض المطري في الشتاء!، نحن لانتكلم عن جيل الفيس...بل جيل كان قريبا من تاثير الفيس برسلي وسعدي الحلي، كانت حافلات نقل الركاب الحمراء تستخدم السواق الهنود والباكستانيين، في ليلة ممطرة كان سيد هاشم يجلس في الطابق الثاني من الامانة كما نسميها، كان رقم الخط 64 المنطلق من الباب الشرقي مرورا بعكة ومكة حتى تصل الى نهايات البلديات الفارغة هناك حيث لاتشاهد سوى الكلاب السائبة، الجميل في هذه العجلة ان هناك زجاجتين اشبه بنافذتين تفتحان للخارج...المطر چان رشگ...يعني ماينعرف حماهه من رجلهه، المطر القديم كان منشطا جنسيا لانه رومانسي جدا، ربما كان السائق الهندي من السيخ الذين يعبدون الهوايش، كان اسودا وقصيرا، يتكلم مع أي شخص بكلمة :رفيك بدلا عن رفيق، خرب عرضك حزب البعث اشگد دياحة بيك..لاتنسوا حالة رشگ المطر والسائق الهندي او الباكستاني، سيد هاشم وهو يجلس في الطابق الثاني، لا ادري كيف واتته الفكرة...السيارة تسير بالشفعات والدفعات والصلاة على محمد وال محمد...وقف في منتصف الطابق الثاني وخلع البالطو المطري الابيض واخرجه بيديه الى مقدمة الحافلة، لاتنسوا ان المطر رشگ والسائق هندي او باكستاني، الساعة تقترب من منتصف الليل، يعني مو هالثخن.
شبح ابيض
انثنى للأمام وانزل البالطو على الزجاجة الامامية لمصلحة نقل الركاب، السائق رآى شبحا ابيضا بهيئة كاسبر وهو يرفرف أمامه ورشكَات المطر تغسله في ليل بغداد، انا لو مكانه كنت انزل من السيارة واهرب وهي تسير، السائق اوقف المصلحة وهرب الى جهة مجهولة وربما تعثرت رجلاه بحفرة وسقط على وجهه، انا على يقين انه مازال يبيع الفلافل الحارة في نيودلهي او السمبوسة في علاوي الحلة، وربما كتب كتابا يثبت علاقة الطناطلة والعراقيين بسبب مافعله سيد هاشم معه تلك الليلة.
منطقة البلديات كانت تعج برموز الفن ابتداء بالمطربة الغجرية حمدية صالح وبناتها، سيد هاشم كان فنانا بالحلاقة، لايتعامل مع الزبون كما يتعامل صاحب محل باچه مع راس خروف، انه متوحد في مهنته، الادوات التي يستخدمها كلها موديل 1990 في الثمانينات، انه متقدم في مهنته على ابناء جيله والاجيال التي تلته، نسيت ان اقول لكم ان حالتين تثقل روحي(اصملله على روحك)، حين ازود السيارة بالبنزين والحلاقة، احمل هما كبيرا في هاتين الحالتين، لكن كمية الضحك التي تتطاير في محل سيد هاشم تجعلنا ننزل رؤوسنا الى الاسفل خشية ان يسمطنا شيء طائر!!!، وبهذا تكون الحلاقة عنده اشبه بتفويلة!!.
اتذكر كنت ملازما في الشرطة وقبل احتلال صدام للكويت وهجولة المجتمعات العربية بدعوى تحرير القدس (من وره!)، حضرت الى محله الكائن في البلديات، قريبا عن مقر مديرية الامن العامة، كان يجلس على كرسي الحلاقة رجل كبير في السن، نصف وجهه صلعة، لم اعره اهتماما، القيت السلام، هو يضحك كلما يراني، قلت له سيدنه اسمع، انزل يده اليمنى بالمقص خشية ان يغلط وتطير اذن الزلمة، قلت له:
-سيدنه بالخميس رحنه زيارة للإمام العباس ع، رحنه حملة وكأننا ذاهبون للحج، كانت الليلة باردة وممطرة، جلسنا أمام مرقد الإمام العباس ع محيطين بسيد معمم عمامته كبيرة، نبكي وحالتنه تصعب على الكفار، كنا مندمجين مع كلمات دعاء كميل وصوت السيد المملوء بالحنين...فجأة ومن دون اي مقدمة....انوخذنه...دخل بين هذا الجمع المؤمن رجل كبير السن يلبس الغترة والعگال.. نزع عگاله بسرعة وسمط احد الجالسين بيننا، هي لسعة عگال وصيحة كبيرة:آخخخخخخ...شايف القطيع من يهرب؟هذا المشهد اضرب منه..الكل وضع رجليه بحضن السيد...كتاب مفاتيح الجنان تمزق، عمامة السيد طاحت بحضنه...وكل الذين كانوا يرفعون اياديهم بالدعاء انطوهه اللهيب...صاحب العگال مازال مستمرا بجلد الولد ونحن نصيح: أحدٌ أحد....گلنه...اجو الأمن وراح يغلفونه...چومة ملح اتطشر باول عگال...طلع الشايب ابوه والحملة منتظرة الولد ساعتين وابوه اجه يدور عليه...
سيد هاشم لم يستطع الوقوف من الضحك فجلس، اما الزبون فغص وشرق من الضحك حتى تلاحقنا عليه بگلاص مي وهو يبكي من الضحك.....
بعد يومين مررت بسيد هاشم، رآني وضحك، قلت له: سلامات...گال انت تدري منو هذا الزلمة إلي چنت أزيّن بيه؟!
قلت له: لا أعرفه...قال: هذا معاون مدير الأمن العام!.