الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حماية الاقليات في العراق… مسؤولية وطنية قبل أن تكون دولية

بواسطة azzaman

حماية الاقليات في العراق… مسؤولية وطنية قبل أن تكون دولية

دهام العزاوي

 

العراق بلد التنوع، فمنذ آلاف السنين تعايشت على أرضه جماعات دينية وعرقية ولغوية متعددة، أسهمت جميعها في بناء حضاراته وصياغة هويته. المسيحيون، الإيزيديون، الصابئة، الكرد، التركمان وغيرهم، هم ليسوا مجرد "أقليات" كما قد يُطلق عليهم أحيانًا، بل جماعات أصيلة وجذور ضاربة في عمق التاريخ العراقي، عاشت وانصهرت في هذه الارض ودافعت عنها وامتزجت مع سكانها رغم تبدل الظروف والاحوال.

أين تكمن المشكلة؟

رغم أن الدستور العراقي لسنة 2005، ينص على احترام التنوع وحماية حرية المعتقد واللغة، إلا أن الواقع مختلف. هذه الجماعات ما زالت تواجه تحديات كبيرة: تهجير قسري، تمييز، تهميش سياسي، ودمار في مناطقها لم يُعمر حتى اليوم، مثل سنجار ومناطق سهل نينوى. أما أماكن عبادتها التي تعرضت لانتهاكات، فكثيرًا ما يمر الأمر بلا رد فعل جدي.

ماذا يقول العالم؟

على الورق، هناك عشرات الاتفاقيات الدولية التي تؤكد حقوق الجماعات وحمايتها، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، إلى العدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، مرورا بإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات 1992. لكنها تبقى حبرًا على ورق في ظل غياب آليات دولية ملزمة، وغلبة المصالح السياسية للدول الكبرى على القيم الإنسانية. مثال ذلك مأساة الإيزيديين، التي اعترف بها المجتمع الدولي كإبادة جماعية، لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن دفعوا ثمنًا باهظًا.

تقصير وطني قبل أي شيء

من السهل أن نحمّل العالم مسؤولية التقصير، لكن الحقيقة أن الخلل الأكبر داخلي. فلا توجد خطط وطنية واضحة لحماية هذه الاقليات، ولا تمثيل حقيقي لها في مراكز صنع القرار، ولا إعمار جاد لمناطقها، ولاجهود حقيقية لاعادة سكانها اليها، ولا محاسبة فعلية لمرتكبي الجرائم بحقها.

ما الذي يجب فعله؟

إذا أردنا عراقًا موحدًا وآمنًا، فعلينا أن ننطلق من ذاتنا ونحاسبها على التقصير بحق هذه الجماعات الاصيلة داخل مجتمعنا، واول ما يجب البدء به هو إصدار قوانين خاصة لحماية هذه الجماعات وتطبيقها بجدية. اضافة الى تمكينها سياسيًا وإداريًا لضمان مشاركتها الفاعلة في الحياة السياسية والاقاصادية. وإدماج ثقافاتها في المناهج الدراسية لكي يتعرف عليها ابناء الشعب، حتى تبقى جزءًا حيًا من هوية الوطن. ولعل من المهم على الحكومة ان تخصص ميزانيات خاصة لإعمار مناطق الاقليات وتعويضها عن سنوات التهجير وفقدان الارواح والممتلكات. والعمل على اصدار تعليمات لاستعادة الممتلكات المصادرة في بغداد والموصل وكركوك على يد مافيات النصب والتي استغلت ظروف التهجير والارهاب ضد ابناء الاقليات بهدف الاستيلاء على املاكها.

واخيرا العراق لن يكون عراقًا من دون فسيفسائه. فحقيقة العراق الابدية والتاريخية انه بلد التنوع والتاخي، وهذه الجماعات التي تعيش بين اظهرنا ليست "أقلية" بل هي ركن أصيل في نسيج الوطن. وحمايتها ليست خيارًا سياسيًا، بل واجب وطني وأخلاقي وإنساني. إن استمرار التهاون بحقوقها لا يهدد وجودها فحسب، بل يهدد استقرار العراق كله.


مشاهدات 85
الكاتب دهام العزاوي
أضيف 2025/08/24 - 3:18 PM
آخر تحديث 2025/08/25 - 10:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 280 الشهر 17786 الكلي 11412872
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير