كأن الجغرافيا تتنفس الحقد
ثامر محمود مراد
في قلب الشرق، حيث تنام الرمال على ضفاف التاريخ، وحيث تكتب الشمس سطورها الحارقة فوق حدود متعرّجة لا ترسمها الطبيعة بل مطامع البشر، هناك وجع اسمه “الكويت”، وندبة لا تلتئم في خاصرة العراق.
كم مرة حاول العراق أن يقترب من حدوده دون أن تُشهر في وجهه البنادق؟ وكم من مرة حاول أن يصدّر كرامته فإذا بمن حوله يملأون السوق بنفط مسموم وسعر مُهين؟ لم تكن الحكاية تبدأ في صيف عام 1990، ولا تنتهي عند حدود خور عبد الله. إن هذه الأرض قد شهدت من قبل محاولات شدٍّ وجذب، ليس لأن العراق معتدٍ بطبعه، بل لأنه مجروح من قسمة ظالمة ومن جارٍ لا يكفّ عن صبّ الزيت على النار.لم يكن عبد الكريم قاسم أول من التفت إلى الجنوب ليبحث عن صوته المقطوع، ولن يكون الأخير.
كان يرى أن هناك قطعة من وطنه تسير وحدها في طريق محفوف برايات بريطانيا ونظرات أمريكا. وكانت السياسة آنذاك ليست سوى لعبة شطرنج تُحرّكها الأصابع التي لا نراها، لكن نحصد نتائجها على أجسادنا وحياتنا.
وفي زمنٍ كانت فيه بغداد تلملم جراحها بعد حرب طاحنة دامت ثماني سنوات، جاءت الطعنة من الخاصرة نفسها. خنجرٌ نفطي غُرز في عروق الاقتصاد العراقي، ليذوي جسده المنهك من الداخل. هل كانت مصادفة أن تُضخ الكميات الهائلة من النفط في لحظة كان العراق يحاول فيها أن يتنفس؟ أم كان الأمر انتقامًا خفيًا بإيعاز من أصدقاء الأمس الذين لا يبتسمون إلا حين يرون العرق يسيل من جبيننا؟
ثم ماذا عن اليوم؟ عن قضية خور عبد الله؟ عن هذا الاصطفاف المريب ضد العراق كلما أراد أن يستعيد شيئًا من هيبته؟ كأن الكويت خُلقت لتكون شوكة في خاصرة العراق، لا تريحها الراحة، ولا يرضيها السلام.يا كويت، ما الذي فعلناه بكِ لتُبقي قلبك مغلقًا في وجهنا؟ أما آن لهذا التاريخ الثقيل أن يهدأ؟ أما آن للجراح أن تنام وتكفّ عن النزف؟ نحن لا نطلب إلا أن نُعامل كمن عرف معنى النار، وخرج منها مضمخًا برماد الكبرياء.
أيها التاريخ، ارحمنا من التكرار. وأيتها الجغرافيا، كُفّي عن دفعنا إلى الحروب.
نحن شعوبٌ تبحث عن المودة لا الهيمنة، عن الشراكة لا الإذلال، لكننا لا ننسى... ومن لا ينسى لا يسامح بسهولة.