الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حياة بموازاة جناح ذبابة

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

حياة بموازاة جناح ذبابة

محمد صاحب سلطان

 

أكدت التجارب الحياتية للغالبية من البشر، بمختلف مشاربهم وفئاتهم الإجتماعية والعمرية، بإن العمر لا يقاس بعدد الأرقام التي تتراكم سنة بعد أخرى، فما أكثر المشيب في عز الشباب، وما أكثر الشباب في عمر مقياس المشيب!، وهذا الأمر يعتمد على ما يعتمر في النفوس من إرادة وتحدي وفهم للواقع، فالشباب ليس فقط سنوات الربع الأول ومتوسطها، ولا القوة الجسمانية وتجاوز أوجاع المرض،بل مفهوم الشباب أضحى مفهوم روحي، فالروح هي الأساس، فما أكثر الأجساد المكتملة العافية، لكنها عليلة الروح ومنكسرة الجوارح!، تغرق في وسط بركة ماء صغيرة، غير قادرة على المواجهة، عواصف الحياة الهوجاء تدفعها بعيدا عن بر الأمان، فالروح هي الأساس، وما عاد للزمن من مقياس سواها، إن كانت روحك شابة وخضراء طرية كعود الريحان، فلا تخش أرقام عمرك التي تتصاعد شئت أم أبيت، وقد يتسائل أحدكم، كيف نحافظ على شباب أرواحنا؟ إن صح التعبير، هل من وصفة سحرية، يمكن أن نتخذها؟، بدءا ليست لدي عصا سحرية، كي أغير من حال إلى حال، ولا وجبة غذائية صحية محددة كي أعطيها لكم، ولكني سأنقل لكم، تجربة عم صديق لي بعمر (89) عاما، كسر حال العداد الزمني لعمره مذ سنوات طويلة وما عاد ليعترف بعمره البايلوجي، ليس عن طريق التلاعب الشكلي في تغيير الهيئة فحسب، بل عن طريق ما يطلق عليه بالتجديد الروحي، فبات يعيش ويتصرف، بل و(يزوغ) ويتصعلك مثل أي شاب عشريني الهوى!، حتى إن بعضهم يعيب عليه تصرفه، وهو يقهقه من دون أن يجيب، يخلق سعادته من نسيج روحه الشابة التي لا يراها غيره، قسم وقته، ما بين ساعة لقلبك وساعة لربك كما يقال، فكان يبحث عن كل جديد يشغل نفسه، سواء في معارفه أو قراءاته أو لقاءاته، لم يشله ضنك التقاعد ولا سويعات الملل التي تصاحبه، ولا آلام الجسد لعمر يقارب التسعين، ولا إحترازات القيود الطبية وتوقيتاتها الدوائية، شعاره الدائم (الروح أولاً) وخير الناس من  تصالح معها!، سألته بإندهاش: كيف؟ وقد دب الخراب في الجسد وما عاد قادرا على تلبية مطامح الروح، أيعقل أن يتصرف المرء خارج نطاق العرف المجتمعي الذي يحتويه؟، ومن له القدرة على تجاوز همزات ولمزات الآخرين الانتقادية وإن كانت بصوت خفيض أو بإشارات غير ملحوظة؟. أجاب: ذات التساؤلات، حاولت جاهدا، طرحها عليه،لمعرفة سر كينونته الفسيولوجية، فهو لا يختلف عن شقيقه-والدي- الذي كان يصغره بخمس سنوات وتوفاه الله منذ سبع، ولكنهما يختلفان في الرؤى إلى الحياة، فالوالد دائما ما يكون مهموما بحال بعضنا، ويحرق أعصابه على كل شئ يواجهه، فيما العم، لا يرى من الدنيا سوى عروقها الخضراء وأغصانها الوارفة الظلال، فالحياة بقضها وقضيضها، زائلة لا محالة، فلم نحصر أنفسنا في بودقة أصغر مما تستحق، ونستسلم للهموم الحياتية بصغائرها التي تضيق بها النفس، مكررا ما كان يردده الأهل من أن الدنيا (ما تسوى جنح ذبابة)، فلم الألم والحسرة والنكد على ما فات، ولم المبالغة في متطلبات الحاضر، والخشية من مستقبل مجهول، فالسعادة ليست بالمال ولا بالصحة ولا بالعيال فقط، بل في القناعة التي تتولد في النفس، فهي التي تصلح ما أفسد من مباهج الحياة، سواء أكانت مادية أم معنوية، تلمس مشاعر السعادة عند زيارة مريض وتأثيرها عليه، إبتسم بوجه عابر سبيل، ولاحظ إنفراج أسارير حرجه، شارك أحفادك بما يحبون سماعه أو مشاهدته، كن قريباً من أهل بيتك، بدعاء وافر، وأماني عزت عليهم وبحاجة إلى من يرعاهم بنصيحة، تصالح مع نفسك قبل أن تتصالح مع الآخرين، ومن دون ذلك لن تفهم الحياة على حقيقتها، ولن تعرف موطئ قدمك فيها، فالحياة نزهة سريعة الإجتياز، ومرض عضال لا شفاء من ألمه عندما نرضخ لمتطلباتها ولنوازع الجسد من دون الروح.. فسلامنا الداخلي أهم من سلامنا الخارجي!، لأن الإطار لا يعوض عن الصورة التي نريد.

ولله في خلقه شؤون !.

 


مشاهدات 81
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/06/21 - 12:36 AM
آخر تحديث 2025/06/21 - 7:27 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 192 الشهر 13279 الكلي 11147933
الوقت الآن
السبت 2025/6/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير