الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ومضات في عتمة الحياة

بواسطة azzaman

ومضات في عتمة الحياة

نوري جاسم

 

في قلب العتمة يولد النور، وفي أقصى درجات التعب يشتعل الرجاء، وفي اللحظة التي تظن فيها أن الحياة انتهت، تمتد إليك يد من الغيب، تقول لك بلغة لا يسمعها إلا القلب: لا تخف، لست وحدك. كثيرون مشوا في هذه الطرقات قبلك، نزفوا وصبروا، ضلوا واهتدوا، بكوا وابتسموا، وكل ومضة في دربهم كانت تحمل سرًا، وكل دمعة صادقة كانت مفتاحًا لباب من أبواب الرحمة، ليس كل من نام تعبًا خاسر، وليس كل من صمت جاهل، فهناك من أُنهك من كثرة الطرق، لكنه ما زال يضع قدميه في طريق الله دون أن يتكلم، وهناك من يهمس بالدعاء من عمق جراحه دون أن يسمعه أحد، لكن السماء كلها تنصت، وفي مدرسة الكسنزان، علّمنا مشايخ الطريق أن المحبة دواء كل العلل، وأن من أحب الله، رأى نوره في كل شيء، حتى في وجع الأيام، وحتى في من خذله البشر، علّمونا أن التصوف ليس أن تنعزل عن الحياة، بل أن تدخلها بقلب نقي، أن تعيش بين الناس ولكن بقلبك مع الله، أن ترى في كل عابر سبيل مخلوقًا عزيزًا على خالقك، وأن تخفض جناحك ولو كنت مرفوعًا، وتسامح ولو كنت مظلومًا، وتعطي ولو كنت محتاجًا، وتحب حتى لو لم تُحبّ، ولم تكن الخلوة عندهم هروبًا من الناس، بل عودة إلى النفس، تطهيرًا للداخل قبل أن نواجه الخارج، وكان الشيخ محمد المحمد الكسنزان، قدس الله سره، يمشي بخطى المحبة بين القلوب، يزرع في كل من رآه يقينًا أن الله معنا، لا علينا، أن الخطأ يُغفر، والدمعة تُكافأ، وأن كل نفس مهما أظلمت يمكن أن تشرق من جديد. واليوم، يحمل السيد شمس الدين محمد نهرو الكسنزان هذه الراية، لا يفرّق بين إنسان وآخر، لأنه يرى النور في الجميع، ويؤمن أن رسالة الطريقة هي أن نحبّ، لا أن نُدين، أن نُصلح، لا أن نُقصي، أن نداوي، لا أن نحكم، والناس متعبون، يتظاهرون بالقوة وقلوبهم منهكة، يحتاجون كلمة صدق، ويد دفء، ونظرة لا تحكم عليهم، بل تقول لهم ببساطة: تعالوا، هنا الله يُحبكم كما أنتم، وفي هذه العتمة، لا تبحث عن النور بعيدًا، بل كن مع النور. قد تكون كلمتك البسيطة سببًا في نجاة قلب، وقد تكون ابتسامتك دعوة إلى الله أجمل من ألف خطبة، وقد تكون دمعتك في خلوة خفية أبلغ من كل المواعظ، والله لا يسكن في العروش فقط، بل يسكن في القلوب التي تعرف كيف تُحبّ، والمريد لا يكون مريد باللباس أو اللقب، بل بالتواضع، بالخوف من الله، بالحنان على الخلق، بالقدرة على أن يرى النور في من ظنّ الناس أنه مظلم، والحياة مليئة بالعتمة، نعم، لكنها أيضًا مليئة بالومضات النورانية، وواحدة من تلك الومضات قد تغيّر كل شيء، وربما تكون هذه الكلمة التي تقرؤها الآن، أو ذاك الذكر الذي يخطر في بالك، أو تلك النظرة الطيبة من شيخ عرف الله وسار بك إليه، لا تيأس، لأن الله لا يترك قلبًا قصده، ولا يغلق بابًا على من طرقه بصدق. وكلما اشتدت العتمة، تذكّر أنك لست وحدك، هناك من سبقك، وهناك من يُنير لك، وهناك من يدعو لك دون أن تعرف، وهناك من ينتظرك أن تُشرق، وفي عتمة الحياة، كن ومضة، ولو كانت خافتة، ستصل. لأن النور لا يحتاج أن يكون عظيمًا، بل صادقًا، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ...


مشاهدات 630
الكاتب نوري جاسم
أضيف 2025/06/14 - 3:11 PM
آخر تحديث 2025/06/21 - 12:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 352 الشهر 13439 الكلي 11148093
الوقت الآن
السبت 2025/6/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير