الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سحر الترتيب


سحر الترتيب

فاضل البدراني

 

في اليوم الرابع من عيد الأضحى المبارك ضايقني ضميري المراقب لأفكاري وأفعالي وأخذ يسألني هل تقبل لنفسك أن تكُنْ بلا عملْ؟ فتظاهرتُ كيف بلا عملْ؟

أجابني الضمير أجل بلا عمل فبعد إنتهاء مشاوير عيد الأضحى من زيارة بعض الأحباب والأقارب ماذا فعلت، ما جعلني أعيش حالة إنهماك بحثا عن إجابة أو حتى عن فرصة عمل أشغل بها نفسي، أو حتى إيجاد المبرر للتمتع بحرية أو عبثية للوقت والمكان والتمرد على أي فعل من شأنه الترتيب، وبتخاطر الأفكار رحت أتجول في صالة البيت والغرف وباحته وأتدبر ماذا أفعل، ثم ذهبت الى مكتبتي فتساءلت ماذا أقرأ عندها تذكرت قول جبران خليل جبران “ إن القراءة للنفوس حياتها كالجدب يخصب من فرات الماء فاقرأ كتابك إن أردتَ مكانةً فالمجدُ يحني الرأس للقراءِ

فهل أقرأ رواية، قصة، أو كتاب إعلامي ، سياسي، اجتماعي، تاريخي، لأني في غالب الأوقات أقرأ رواية وأتذوق من عذوبة كلماتها وسحر أسلوب كاتبها، ودوما تكن الأقرب لنفسي هي روايات أحلام مستغانمي وأقربها “ الأسود يليق بك” و أيضا أقرأ  ل “ الطيب صالح وأقربها لنفسي “موسم الهجرة الى الشمال” والعيش في حياة ينتابها التمرد والانتقام والعيش بملذات المجتمع الغربي في محاولة الثأر من حياة الطفولة والحرمان، الا أنني في السنوات الأخيرة عكفت على قراءة روايات الروائي صبري حمد خاطر الذي شكل ثورة أدبية مميزة وبنقلة نوعية من عالم القانون الى عالم الأدب والرواية والشعر وآخر رواياته الأربع “ اغتصاب يشبه الآخر” محاولة بارعة من الروائي من خلال العنوان برسم صورة ذهنية في بداية المشهد بثنائية من التناقضات الثقافية من حيث انتهاك حرمة الجسد من زاوية، وتأثير ذلك على الدولة أو أفرادها سيما أن مفهوم الاغتصاب الذي أرغمنا الكاتب من حيث لا ندري لمتابعة أحداث روايته والانتقال بنا من اتجاه فكري لآخر كان المقصود به الاحتلال الأميركي للعراق مطلع 2003، وبعيدا عن الرواية والأدب فأني من عشاق قراءة المجتمع عبر كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي التي تمتليء بها رفوف مكتبتي فأسرق الوقت من حين لآخر للانتهاء من قراءة كتابه “ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث” الذي جاء بثمانية أجزاء، وهي المرة الثانية أعيد قراءته، وكذلك الركون في نهاية الأمر الى بيئة الإعلام والاتصال التي أسكنها وأعيش أجواءها، وأحاول أن أعمرها بمؤلفاتي وأبحاثي.

تحقيق انتصار

الرقيب لا يتركني بحالي بل صار يصارعني وكأنه يتظاهر بتحقيق انتصار ضدي، أو قد يكُنْ يعاملني بحسن النية والحرص عندما لا يقبل أن أعيش وطأة التقاعس أو حتى الحرية والعبثية والفوضوية على الرغم من أن مناسبة العيد تشفع لي بأن أتمتع بالراحة والبقاء في البيت الذي اعتبره أفضل مكان للنزهة والراحة النفسية، فلا أتطابق مع الذين يستهدفون مناطق سياحية وأماكن ترفيهية بعيدة أو حتى السفر الى بلدان خارجية بحثا عن الراحة سيما في أيام عيد الفطر السعيد أو عيد الأضحى المبارك كما يحلو لنا أن نطلق على كل مناسبة منهما.

وإذ أتطقس في رفوف المكتبة التي تعاني فوضى عارمة وافتقارها لتنسيق الكتب في الرفوف، لمحتُ كتاباً أنيقاً عنوانه ورد بالخط الأحمر العريض، تذكرته عندما قرأته قبل ثمان سنوات كان له فضل كبير في سبر أغوار أفكاري باتجاه الترتيب والذي يقترب الى حد ما من مضمون كتابي” فن الأتكيت والبروتوكول الاجتماعي والدبلوماسي” الذي صدر عام2014، أبرز سطر في واجهة الكتاب الأولى هو “ الفن الياباني في التنظيم وإزالة الفوضى” ولما كنت قرأته سابقا أعلم أنه يتسم بعنصر التشويق وقدرة المؤلف الفائقة في جذب القاريء ببساطة ورشاقة أسلوبه الممتع، تركت الكتاب وعلى الفور أفرغت كل رفوف مكتبتي الموجودة في صالة الضيوف، وأعدتُ ترتبيها وتنسيق عناوين الكتب حسب التخصص وتحريرها من علامات الفوضى والعبثية من الأوراق والبوسترات والأكياس والحقائب وغيرها.هذه المكتبة الصغيرة بحجمها أصبحت أنيقة مفهرسة مبتسمة بوضعيتها بعد الترتيب، وعلى أثر ذلك تصالحت بعد ثلاث ساعات من العمل المضنِ مع الضمير رغم قسوته لكن الإشكالية التي قد تجعلني لن أتصالح معهُ تخص شأن المكتبة الكبيرة الموجودة في الطابق الثاني فحالها مثل حال الأم التي تحمل على أكتافها هموم البيت والأطفال وموازنة الصرفيات والديون لوحدها بسبب زوج تعشعش الفوضى في مخه، ولا يلقي بالاً للمسؤولية، هذه المكتبة المسكينة قد تنهار في أيةِ لحظةٍ من وطأة الحمولة والفوضى العارمة التي تعانيها، لكنها تحتاج لأيامٍ من الترتيب وإنقاذها من ظلماتي.

كتاب “سحر الترتيب “ لمؤلفه الكاتبة اليابانية ماري كوندو، وترجمة لينة شبارو، طبعة 2015 عن الدار العربية للعلوم ناشرون، إذ جاء ب 12 لغة عالمية، بالطبع كل أفكار وثقافة الكتاب مفيدة لكنه يتناقض مع المكتنزين للملابس والأثاث والحاجات المنزلية الزائدة كونه يبحث عن الأناقة والوصول بالأمور لسحر الترتيب، ولعل أبرز سؤال محرج نسوقه للقاريء من وحي ثقافة الكتاب المذكور، كم من منزلٍ فيه مخزنٍ لم يفتح بابه منذ سنوات، وكم من زاوية ملابس تعاني الإهمال ويغيب عنها الترتيب، وكم من مطبخ يعاني الفوضى ويبحث عن النظافة والترتيب ؟


مشاهدات 119
الكاتب فاضل البدراني
أضيف 2025/06/14 - 12:35 AM
آخر تحديث 2025/06/15 - 3:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 112 الشهر 9553 الكلي 11144207
الوقت الآن
الأحد 2025/6/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير