الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شلالات فكتوريا .. سحر الطبيعة وبوح الغابة

بواسطة azzaman

شلالات فكتوريا .. سحر الطبيعة وبوح الغابة

حاكم الشمري

 

كانت رحلتي إلى شلالات فكتوريا تجربة لا تُنسى، كسفر صحفي ومرافق لوفد سياحي، وفي الوقت نفسه مستشارًا إعلاميًا لوزير السياحة والآثار. الشلالات، التي تقع على الحدود الفاصلة بين زامبيا وزمبابوي، كانت أول مرة أراها عن قرب، بعد أن اكتشفها الهولنديون أيام الزمن القديم، وما زالت تحمل في مياهها ورذاذها قصة الطبيعة وهي تتحدث بصوتٍ عميق، أقوى من أي كلمات يمكن أن توصفه.

المنطقة تحافظ على بساطتها وبدائيتها، فالشعب هنا فقير جدًا، يعيش على الغابات وما تقدمه الطبيعة من غذاء وموارد، لكن رغم ذلك، كان اللقاء بهم يحمل دفءً إنسانيًا لا يمكن وصفه. الغابات المحيطة شاسعة ومهيبة، ونهر الزامبيزي الرهيب يتلوى بين الصخور ويزأر في صمت الطبيعة، موطن التماسيح المفترسة، وفرس النهر العملاق، وأفاعي الكوندا المهيبة، والأسود التي تتجول بهدوء في المسافات البعيدة، وحتى وحيد القرن والفيلة التي تبدو وكأنها رموز غابة لا تتأثر بزمن البشر.

قلب الغابة

الفنادق بسيطة للغاية، سقوفها من الأشجار واللبن والطين والحجر، لكنها تمنحك إحساسًا حقيقيًا بالعيش في قلب الغابة. في الأسواق والمحال الصغيرة، تجد معامل الدباغة وتحويل جلود التماسيح إلى حقائب وأحزمة ومواد أخرى، علامة على قدرة السكان على الاستفادة من كل ما يمنحه لهم نهر الغابة.

الطرائف كثيرة هنا؛ الخنازير تجوب الشوارع بحرية كأنها قطط بغداد، وكل طعامهم بدهن الخنزير. القرود تدخل إلى صالات المطاعم بلا خجل، وتتشبث بما تستطيع من طعامك، أحيانًا توقظك صباحًا من شبابيك غرف النوم وتلعق الزجاج، في منظر يجعلك تضحك وتتعجب في الوقت ذاته.

ولم تكن الرحلة مكتملة دون مغامرة لا تُنسى مع صديقنا جف، صاحب سيارة الأجرة المحلي، الذي أخذنا في جولة استثنائية داخل الغابات وعلى ضفاف النهر. كانت رحلة لعدة أيام، لا يمكن أن تتكرر، مليئة بالمفاجآت واللقاءات المباشرة مع الحياة البرية، وكأن كل لحظة فيها كانت تُكتب على عجل لتصبح ذكرى خالدة.

كان السفر هناك مزيجًا مذهلًا من الرهبة والجمال والانبهار. مياه الشلالات تتساقط في هدير مستمر، تحمل معها رذاذًا منعشًا يلامس الجلد والعينين، والغابات تحيط بك من كل جانب، وكأنك دخلت قلب الطبيعة قبل أن يدخله الإنسان. في كل زاوية، تجد الحياة البرية تتجلى أمامك في صورها الأكمل والأكثر عراقة، وكأنك تشهد لوحة حية من الحكايات القديمة، حيث الطبيعة هي القائد والبشر ضيوفها المتواضعون.

زيارة سياحية

رحلتي إلى شلالات فكتوريا لم تكن مجرد زيارة سياحية، بل كانت غوصًا في قلب الغابة، ولقاءً مع الحياة البرية، وتجربة مباشرة للبساطة والفقر والجمال في آنٍ واحد، رحلة محفورة في الذاكرة، وصورة حية لما يمكن أن يكون عليه الإنسان حين يعيش بين أصوات الطبيعة وعنفوانها، وذكريات الرحلة مع جف ستظل محفورة في قلبي كواحدة من أعظم المغامرات التي خضتها.


مشاهدات 119
الكاتب حاكم الشمري
أضيف 2025/10/25 - 5:44 PM
آخر تحديث 2025/10/26 - 2:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 447 الشهر 17588 الكلي 12157443
الوقت الآن
الأحد 2025/10/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير