الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شذرات روزا ... أو سلسبيل أزهار الخير

بواسطة azzaman

قصة قصيرة

شذرات روزا ... أو سلسبيل أزهار الخير

رشيد سكري

 

عبر هذه البوابة الضيقة ، وعبر هذا الشباك الزاهي بأطياف العشق ، كان ملمسها ناعما ، كنتف القطن المغسول بماء المطر .

روزا ...

كعادتها الدؤوب ، ومنذ ثلاثين عاما ، تحمل رشاشا نحاسيا مترعا بماء فرات ، وتطوف كنحلة مطنان على أزهار الخريف .

أزهار تسبح في ممر ضيق في لون البحر ، وفي شرفة مطلة على ساحة شرفية ذات أبواب سبعة تروي سلسبيل أحداث يحفظها التاريخ في حبه المقرور . في روندا ، أو في أماكن أخرى كلها تلهج بعشق أكبر .

روزا تتملى ، تحت أشعة الشمس الدافئة ، نباتات نادرة ، جلبها المعتمد ، حفيدها الأصغر ، من أحد المتاحف التي تعرض تراثا عربيا بالأندلس ... مجسمات ، وأوان عتيقة ، وشواهد روامس قديمة تشي بفتوات صبوية متوارية وراء غيم .

بالملمس الناعم نفسه ، وبالفم الأثرم ذاته ، تصيح روزا :

هذه زهرة الكروتون ...

أو الكروتونيا ، التي تربطني بأساطير حكماء الصين ، عندما عبروا المكان بخيولهم البرية ، ودسوها في نتوءات جبال شاهقة وحادة وراء غيم كثيف ، يحجب الرؤية والرؤيا معا . كنت ألعب صغيرة مع قطط وديعة تحملني إلى فردوس ؛ الحلم الزاهي ، الذي يكبر فينا يوما عن يوم .

الكروتون في صفحة اليد الناعمة ، ونسيمها الساخن يعبق بها الفضاء ... إنها يا معتمد ُ تشفي القلب العليل .

وهذه تزانيا ...

ذات اللون الأرجواني حبيبي اللون ذاته ... عشقها يا معتمدُ دام سنين طويلة . ونبتت بين صلب و ترائب . تزانيا الزهرة التي تولد خارج القلب وتكبر بداخله ... شبيهة بالبنت البكر تولد خارج المتعاهدين وتكبر بداخله.

في منتصف العمر كانت روزا احمل عشقا كبيرا للمطر الذي يغسل الوجوه ، ويسيل في الطرقات . فكلما زاد عشقها لهذا الوجود تجلب كرنفالا من الورود والزهور ... فتبنيلها مشاتل من الطين الأحمر ، وتجففه عند الظهيرة فوق السطيح الأملس .

كان المعتمد كلما أبصرها ، وهي منفوشة الشعر ، ملطخة ببقايا الورود والطين ، يغني على موال أندلسي مطلعه :

ـ روزا يا نبتة الليل

ـ متى ينبلج صبح ... ويعن في أفق بعيد ...

تغمرها سعادة ، فتطير من الفرح والحبور ... وتنهمر على المزيد من العطاء و الغرس الشديد .

في طنجة إحدى المدن الباكية من وراء سلب ، كانت روزا ... تائهة في دروب مظلمة مدلهمة ... قبل يوم السقوط ... فبحثت عن أسفار قديمة تحكي الأزلية أو سيف ذو يزن أو أساطير عنترة العبسي العبد ، الذي حجز لنفسه رقعة على أستار الكعبة ... فمشى وراءها علها تعيد قراءة هذا التراث المعفر بالأديم القديم .

تجلس في المساء وراء الزهور وتتنفس حرارتها ، وهي ترى في المعتمد الملك الذي أضاع الصولجان ... يا معتمدُ يا حفيدي عد إلى بالحب والوعد والوعيد ... فالناس سحلوا على أعتاب المساجد و دفنوا قبل أن ينبلج صبح جديد .

تقوم روزا وتقعد القرفصاء ، ويديها الناعمتين تحزم بهما شعرها الأشمط ... وتبكي حزنا

لفراق وشيك .


مشاهدات 78
الكاتب رشيد سكري
أضيف 2025/05/10 - 1:44 PM
آخر تحديث 2025/05/11 - 3:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 216 الشهر 12843 الكلي 11006847
الوقت الآن
الأحد 2025/5/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير