الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تاريخ العراق المعاصر وفق رؤية العلاف.. كتاب جديد يبتعد عن الاسهاب ويفصّل ملامح وطن موغل بالقدم

بواسطة azzaman

تاريخ العراق المعاصر وفق رؤية العلاف.. كتاب جديد يبتعد عن الاسهاب ويفصّل ملامح وطن موغل بالقدم

سامر الياس سعيد

 

يتسم اسلوب الدكتور  ابراهيم خليل العلاف بالمباشرة  في  تعاطيه للكثير من القضايا والاحداث  حيث تتميز رؤية العلاف  في ابراز تلك الاحداث باسلوب السهل الممتنع الذي يمنح التبسيط في اتخاذ الكثير من التواريخ والحوادث التي جرت على مدى العقود الماضية  فلا غرابة في ذلك فالعلاف انطلق من خلفية تربوية في مستهل حياته الوظيفية وغالبا ما كان يفتخر بكونه انطلق من المدارس النائية التي اخذ من خلالها بايدي الاجيال اللاحقة التي استنارت بفكر تلك الشخصية الاكاديمية ليسير اغلبها وفق مساراته  وافتخر بان العلاف قدم لي هدية من قبس الفنارات التي لطالما منح اشعاعاتها للاكاديميين  والباحثين  في سبيل المعرفة الوافية وتعضيد تلك البحوث والدراسات بالافكار  التي تبتعد عن الانشائية والارتجالية بل ترتكز بمجملها الى المصادر الغنية التي تحفل بها مكتبة العلاف  الى جانب قراءاته الغزيرة  التي تسهم بتجسيد مثل تلك الكتب القيمة التي يجاهد في اصدارها لتكون في متناول الجميع .

وهدية العلاف التي وضعها بين يدي كتاب قيم صدر له مؤخرا حمل عنوان (تاريخ العراق المعاصر  عرض عام ) حيث صدر عن دار قناديل  للنشر والتوزيع في العاصمة الحبيبة بغداد  وجاء الكتاب ب181 صفحة من القطع المتوسط حافلا بالكثير من الاجوبة والردود لاسئلة  القاريء وهي تضعه  في صورة  واقع العراق عبر سنواته التي انطلقت  من الاحتلال البريطاني  له وثورة 1920 الكبرى .

 في مقدمة الكتاب يقر العلاف بان  تاريخ العراق المعاصر  تاريخ ثر  وعريق وغني  مشيرا بان هذا التاريخ شكل اطماع  للاعداء بالسيطرة عليه  بسبب موقعه الاستراتيجي  وثرائه الاقتصادي  والبشري  ويسرد العلاف في سياق مقدمة الكتاب  صفات المؤرخين ممن يتناولون تاريخ الامكنة والدول  مشيرا  بان تدوين  تاريخ العراق المعاصر  وحتى القديم  والاسلامي والحديث يتطلب من المؤرخ ان يكون متوازنا  وشجاعا ومنصفا وامينا  وان يتوخى  الموضوعية  قدر الامكان .كما لايخفي العلاف  في مجمل اشاراته المتعلقة بالعراق  وهو يتناول تاريخه المعاصر  بان حدود البلد مفتوحة  مع جيرانه ولجيرانه امتدادات  بشرية ومصالح  مؤكدا بان الحكمة  تقتضي بالا نسمح لاحد من الجيران  بالتدخل بشؤون البلد  حيث يختتم المقدمة بالقول  بانه في ضوء طمع الجيران  وتشبث حكام العراق بالكراسي وتغليب المصالح الشخصية  على المصلحة الوطنية  يمكننا فهم محركات التاريخ.

صلاحيات واسعة

اما في تمهيد الكتاب  فيقول العلاف بان  قضية تحقيب التاريخ شغلت اهتمام  المؤرخين  مشيرا الى ان العراق قسم الى ثلاث ولايات  هي بغداد والبصرة والموصل  واعطيت لوالي بغداد صلاحيات واسعة على ولايتي البصرة والموصل  حيث كانت درجته اعلى من درجة والي الولايتين الجنوبية والشمالية  واستمر الحكم العثماني حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى 1914-1918 حين تمكن الانكليز من مد نفوذهم  الى الخليج العربي والتوجه نحو العلاق لاحتلال ولاياته الثلاث .ويستند الكتاب على مقالات موسعة  تشير الى الاحداث والحقب التي مر بها العراق بعد الاحتلال البريطاني له  ففي المقالة الاولى التي تحمل عنوان  الاحتلال البريطاني  للعراق وثورة 1920 الكبرى يسهب الكاتب  في ابراز التواريخ المرافقة لتلك الحوادث التي جرت  بدءا من احتلال الانكليز للبصرة في  عام 1914 وفي عام 1917 احتلوا بغداد  ليستكملوا كامل سيطرتهم باحتلال مدينة الموصل في العام التالي  وتابع العلاف بالاشارة الى ان العراقيين لم يرضخول  لذلك الاحتلال  فاطلقوا  ثورة وطنية شاملة  كبرى عرفت بثورة 1920 وكان من نتائجها  رضوخ الانكليز لمطالب العراقيين بتشكيل  الدولة العراقية الحديثة  ومن خلال دورة الحياة في مفاصل عيش العراقيين يتنطلق الكثير من الاسماء والامكنة والاحداث في استعراض العلاف لتلك الحقبة قبل ان ينتقل الى مفصل اخر من تاريخ العراق المعاصر  اشار من خلاله  لدور الملك فيصل  الاول في تاسيس الدولة العراقية الحديثة  ويعلن العلاف في سياق المقالة الثانية من مجمل الكتاب  وبكل ثقة انه يحب تلك الشخصية  رغم كونه جمهوري النزعة ويفصل كاتب الكتاب حبه للملك فيصل الاول  بكونه مؤسس الدولة العراقية  الحديثة  فضلا عن كونه احد ابرز الرجالات  التي قامت على اكتافهم  النهضة  العربية المعاصرة  وفي سياق المقالة ثمة معلومات عن سيرة حياة الملك وولادته  في مدينة مكة  في العشرين من ايار سنة 1883 اضافة لسرد المحطات التي مر بها الملك وصولا لتوليه سدة الحكم  حيث بويع  ونصب ملكا  في 21 اب سنة 1921  ولاحقا يتوسع العلاف بالاشارة الى ما تمكن من انجازه الملك فيصل  سواء في المجالات  الاداريو والاقتصادية  والاجتماعية والثقافية حيث  اسهم الملك  من تعميق الوعي الوطني  لدى العراقيين  وخلق فيهم  الهمة والرغبة  باعادة بناء وطنهم  والمشاركة بحل مشاكله الداخلية والخارجية  مبتدا بالجيش بوضع اسسه الوطنية  وتحسين وضعه القتالي  وتحديد عقيدته القتالية وتسليحه وجعله قادرا على الحفاظ على وحدة  البلاد وضمان امنها الوطني  والقومي .

في المقالة الثالثة التي ضمها الكتاب يتطرق العلاف  الى البلد بعد وفاة الملك فيصل الاول  وذلك في الثامن من ايلول  عام 1933 ليبتدا مع حقبة جديدة يتسلم فيها الملك  غازي مقاليد السلطة  بتسلم سلطاته الدستورية  ومن ثم انتقلت  قيادة الامور لايدي السياسيين  ممن اتجهوا  للفوز بالسلطة  والاستئثار بها  وفي مقدمتهم  السياسي المعروف نوري السعيد  وينتقل العلاف بعد تلك السيرة الموجزة  الى الاشارة لانقلاب  الفريق الركن بكر صدقي  وذلك عام 1936 حيث ابرز العلاف الى الدارس  لهذه المرحلة  من تاريخ العراق المعاصر  سيجد ان تذمرا حقيقيا من جانب العراقيين تجاه سوء الاوضاع الاقتصادية  ومن تفاقم  الفساد الاداري والمالي  واتساعه  لتاتي بعدها حركة 1941 التحريرية التي جاءت كردة فعل تجاه الاوضاع التي مر بها العراق  في تلك السنوات  وافاد العلاف بان تلك الحركة  كانت نتيجة حتمية  للاوضاع التي وصفها بالمتهرئة  التي عاشها العراق في السنوات التي سبقت انطلاق الحركة المذكورة  كما يتوقف العلاف في المقالة اللاحقة عند  وثبة كانون الثاني  عام 1948 التي انطلقت على خلفية معاهدة بورتسموث التي وقعها  رئيس الوزراء صالح جبر حيث اجتاحت  البلد مظاهرات  عنيفة  كانت من نتيجتها الغاء المعاهدة وفرار  رئيس الوزراء الى لندن  وبعد تلك الوثبة وتداعياتها  باربعة اعوام شهد البلد حدثا اخر تمثل  بانتفاضة تشرين 1952 وماتلاها ليسعى العلاف الى وضع تلك الاحداث في غنوان مقالة تناول في سياقها  احداث الانتفاضة التي  جرت بقيادة  الاحزاب السياسية المعارضة  للسلطة الملكية  في تشرين الثاني عام 1952 وكانت شرارتها الاولى بالاعتداء  على طلبة كلية الصيدلة  في يوم 19 تشرين الثاني من العام المذكور  وتناول الكاتب الاسباب والنتائج التي ادت لانطلاقة  الانتفاضة المذكورة  ليصل بالتالي  لثورة 14 تموز من العام 1958 مفيدا في سياق المقالة الخاصة بالثورة التموزية  الى الاسباب والدوافع التي قادت  الضباط الاحرار بالتفكير  بتنظيم انفسهم  والعمل على اسقاط الحكم  الملكي  بعد ان فقد مشروعيته  بسبب اتباع سياسة القمع  التي واجه بها المنتفضين  واشار الكاتب الى سلسلة من النتائج التي رافقت تلك الثورة من بينها  اعلان قانون الاصلاح الزراعي  الذي وضع حدا لتركيز الملكية الزراعية  واعلان قانون رقم 80 في مجال النفط واقامة الدور السكنية  للالالاف من الفقراء  وشق قناة الجيش وفتح التعليم على مصراعيه  لابناء الشعب  وجعله مجانيا  وديموقراطيا  وغير ذلك من المنجزات .

انقلاب شباط

وبعد اسقاط النظام الملكي في عام 1958  لم يستقر البلد  بل شهد بنحو خمسة اعوام انقلابا جديدا  تمثل بانقلاب 8شباط 1963 الذي اطلقه مناوئين من ذوي  التوجهات القومية  لنظام الزعيم عبد الكريم قاسم حيث وحدوا صفوفهم  للتحرك ضد الزعيم قاسم  وسيطروا على معسكرات واسهموا بتوجيه ضربات جوية  على  الامكنة السيادية وذات الخصوصية الوطنية كوزارة الدفاع ومعسكر الرشيد  وشهدت تلك الاحداث تبلور ما يعرف بالمجلس الوطني  لقيادة الثورة  حيث شهد اليوم الثاني من  الانقلاب اعدام  عبد الكريم قاسم الى  جانب عدد من انصاره ومنهم  رئيس المحكمة  العسكرية العليا الخاصة  فاضل عباس المهداوي .

بعد ذلك الانقلاب والاحداث التي واكبته جاء الدور لسرد ما شهده العراق  في عهد حكم  احمد حسن البكر  في  الفترة الممتدة من عام 1968 ولغاية 1979  ولم يعرف البلد ايضا  نوعا من الاستقرار طيلة تلك الاعوام ففي 30 تموز من 1968 تم التخلص  من رئيس الوزراء عبد الرزاق النايف  وعده مدسوسا  وواجهت السلطة بعدها بعام او اكثر  حركات مضادة  منها  حركة  عبد الغني الرواي في عام 1970 ومنها حركة 1973 التي قادها عدد من اعضاء  القيادة للتسلط على الحزب الحاكم  ورغم كل تلك المؤشرات  التي حددها العلاف لكنه  استدرك بالاشارة  الى اهتمام السلطة  في تلك الحقبة الممتدة من  عام 1968 ولغاية 1979 بالتنمية  من خلال تحويل  مجلس التخطيط الى  مؤسسة فعالة  لتشمل  اهتمام  المجلس المذكور على  المجالات  الاجتماعية  والثقافية وعدم تحددها بالجانب الاقتصادي فحسب .

وفي المقالة التالية  يقول العلاف بانه ليس من السهولة  تدوين تاريخ العراق المعاصر  بين 1979 و2003 حيث يصل لضفاف  فترة العراق  في عهد صدام حسين  ويورد الصعوبة بكون  ظهور عدد من الدراسات  التي تناولت  هذه الفترة من وجهات  نظر متباينة حيث يشير الى جملة من تلك المصادر ومنها على سبيل المثال  كتاب  نظام صدام حسين 1979-2003 الذي قدمته المؤرخة الدكتورة  فيبي مار وترجمه  مصطفى نعمان حيث  صدر عن مكتبة  مصر دار المرتضى  ببغداد  عام 2009 ويستهل العلاف مقالته بالاشارة الى استقالة  البكر من رئاسة الجمهورية  ليرتقي نائبه صدام حسين سدة الحكم  ويصبح رئيسا للجمهورية  في 17 تموز 1979  وفي ذلك العهد جرت العديد  من الاحداث لعل ابرزها  وقوع الحرب مع ايران  اضافة للحروب الاخرى التي جرت في عهد صدام حسين  اما في المقالة التالية التي يضع العلاف لها عنوان  العراق  بعد الاحتلال الامريكي فمن خلالها يطل الكاتب  على وقائع احتلال العراق التي بدات في التاسع من نيسان من عام 2003 والدور الامريكي الذي تبته الولايات المتحدة  في الاسهام باسقاط النظام السابق  لكنها وجدت نفسها امام مشكلتين  بحسب الكاتب كان اولهما  ان الولايات المتحدة لم تكن تمتلك  خطة واضحة  تساعد في السيطرة  على الاوضاع في العراق خاصة بعد حل الجيش العراق  والمشكلة الثانية  التي واجهت الولايات المتحدة  انها اصبحت وجها لوجه  امام عمليات مقاومة  وطنية  واسلامية  سلمية ومسلحة  ليس من السهولة اخضاعها .

توالت رؤى العلاف في تلك الحقبة  فابتداها بالاشارة  الى مراحل ادارة العراق من خلال ظهور  هياكل  وسلطات ادارية  مختلفة  كمكتب اعادة  الاعمار والمساعدات الانسانية  وسلطة الائتلاف المؤقتة  في العراق ومجلس الحكم  الانتقالي  والحكومة العراقية المؤقتة  والحكومة العراقية الانتقالية  والحكومة العراقية المنتخبة  ليعمد تاليا الى الاشارة بشكل موسع الى دور تلك المؤسسات والهياكل التنظيمية  التي بلورتها قوات الاحتلال  ليختتم الكتاب  بملاحظات الكاتب ازاء  مصادر ومراجع دراسة تاريخ العراق المعاصر .

ولايختلف اثنان على ان ماقدمه العلاف من المعلومات التي اوردها في كتابه والتي تمحورت  في 18 مقالة لو تسنى له التوسع فيها لاحتاجت الى اكثر من مجلد كونها احتوت معلومات غاية في الاهمية استقاها العلاف من مصادر رصينة اضافة الى كونه كان شاهد عيان  بمجايلته لها  ويمكن ان نقول ان كتاب  تاريخ العراق المعاصر احتوى على 18 كتابا ثانويا في المواضيع التي تناولها والتي تستلزم ان يكون لها موقع موسع يتناةلها بالاعتماد على ما اورده العلاف في الكتاب  المذكور .

 

 


مشاهدات 30
الكاتب سامر الياس سعيد
أضيف 2025/09/05 - 11:42 PM
آخر تحديث 2025/09/06 - 2:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 81 الشهر 3793 الكلي 11421666
الوقت الآن
السبت 2025/9/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير