الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عصبة الأمم الشرقية.. قراءة في آراء سموّ الأمير الحسن

بواسطة azzaman

عصبة الأمم الشرقية.. قراءة في آراء سموّ الأمير الحسن

عبد الحسين شعبان

 

في افتتاح كلمته في مؤتمر الحوار العربي - الكردي، الذي انعقد في عمّان (1 آذار / مارس 2018)، استذكر سمو الأمير الحسن بن طلال مقولة الفقيه القانوني الكبير عبد الرزاق السنهوري بشأن دعوته لعصبة أمم شرقية، معتبرًا ذلك اللقاء الحيوي الذي رعاه، إنما جاء بوحي من «أعمدة الأمة» المتمثلة بالعرب والكرد والفرس والترك، وهو المشروع الذي استُكمل لاحقًا بمؤتمر موسّع، انعقد في عمّان أيضًا (22 تموز / يوليو 2018)، وبمبادرة من منتدى الفكر العربي الذي أسسه ورعاه وتولى رئاسته سمو الأمير الحسن  منذ العام 1981.

جوهر الرسالة

وانطلق سمو الأمير في بحثه عن الجوامع من صيغة الاستقلال المتكافل، التي تعني الاحترام المتبادل للهويّة ثقافيًا واجتماعيًا، والعمل على تعزيز المشتركات، أسوةً بدعوة أبو اسحاق الشاطبي أحد أبرز علماء الأندلس والمولود في غرناطة في القرن الرابع عشر الميلادي، وهو صاحب دعوة «تعظيم الجوامع واحترام الفروق»، علمًا أنه متبحّر بالعلوم الشرعية وفقه اللغة وفنونها والعلوم اللسانية وعلم الحديث وأصول التصوّف.

إن جوهر الرسالة الحوارية لسموّ الأمير الحسن هو البحث عن المشتركات الإنسانية، وتعزيز أواصر العلاقات الإيجابية بين العرب والكرد بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص، لاسيّما بعد تجربة الاستفتاء الكردي (25 أيلول / سبتمبر 2017)، وبعض ردود الفعل السلبية بشأنها، لذلك جاءت مبادرته بهدف تطويق الخلافات والابتعاد عن كلّ ما من شأنه يزيد عوامل التوتر ويؤدي إلى التصدّع، وكذلك البحث عن السُبل المناسبة والمعالجات الممكنة والحلول الضرورية بالطرق  السلمية، بعيدًا عن استخدام القوّة أو التهديد بها لحلّ النزاعات، وذلك عبر حوار هادئ ومسؤول، يأخذ بنظر الاعتبار المصالح المشتركة.

 وتجسيدًا لذلك كانت دعوة كوكبة لامعة من المثقفين العرب والكرد لتبادل الرأي واستمزاج وجهات النظر بشأن الوصول إلى معالجات سليمة لاحتواء الأزمة، وهو ما يمكن أن يستفيد منه أصحاب القرار، كما أن تلك المبادرة تمثّل محتوى رسالة المنتدى الإنمائية بتجسير الفجوة بين أصحاب القرار والمثقفين.

وبقدر ما كان الحوار فعّالًا وهادفًا بين نخبة من المثقفين الكرد والعرب، فإنه شجّع على إجراء مثل هذا الحوار على صعيد الإقليم بدعوة مثقفين آخرين من الفرس والترك للمشاركة فيه بما يوسّع دائرته لتشمل دول المنطقة وأممها انطلاقًا من الاحترام المتبادل، وعلى أساس المساواة والتكافؤ لتحقيق المواطنة، وفقًا لاعتبارات حقوقية وقانونية وبالطبع إنسانية وأخلاقية.

وحسب الأمير فإن مثل هذه الدعوة تمثّل رسالة الإسلام الحقيقي القائمة على الرحمة للناس جميعًا، مع تأكيد الأصل الواحد للديانات الإلهية، وهو ما تجسّد أيضًا في دعوة البابا فرنسيس إلى “إحياء كلمة التضامن الإنساني والأخلاقي البيني»، وهو ما عكسته وثيقة “الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، التي وقّعها في أبو ظبي شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيّب وقداسة البابا فرنسيس في 4 شباط / فبراير 2019 ، والتي اعتُبرت نداءً لكل ضمير حي ينبذ العنف البغيض والتطرّف الأعمى، وهي “دعوة للمصالحة والتآخي بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة”، كما جاء فيها، بما يعزز مبادئ التسامح والإخاء ويوحّد القلوب ويسمو بالإنسان. وحين يشدّد سمو الأمير على الرحمة، فإنه ينطلق من معادلات الأمن والحاجة والجوع استنادًا إلى ما ورد في القرآن الكريم (سورة قريش- الآية 4)، « الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، وتلك تمثّل حقيقة الأمن الإنساني.

وفي كلمته الرؤيوية الاستشرافية التي ألقاها في افتتاح مؤتمر الحوار العربي - الكردي، أشار سموّ الأمير إلى أن الضرورة تقتضي توجيه الإنفاق السليم صوب التنمية المستدامة، لافتًا الانتباه إلى «رسالة عمّان» (9 تشرين الثاني / نوفمبر 2004)، التي أكّدت على تكريم الإنسان وحريّة الاختيار والخطاب السياسي - الاجتماعي.

وكان سموّ الأمير الحسن قد دعا في الثمانينيات، وعقب تأسيس منتدى الفكر العربي، إلى “إقامة نظام إنساني عالمي جديد”، يستند إلى ثلاثة أركان هي:

علاقات انسانية

 الإنسان أخ الإنسان، لذلك ينبغي تعزيز العلاقات الإنسانية القائمة على احترام التنوّع والتعدّدية والمشتركات الإنسانية، بالرغم من هيمنة الصراعات والحروب والنزاعات والعنف، وهدر حقوق الإنسان.

التفاهم والتعاون والاحترام المتبادل لحقوق الأمم والشعوب، وسيادة الدول واستقلالها.

التعاون بين الدول لدرء الكوارث التي يسببها البشر والطبيعة، والتخفيف من آثارها، بما فيها من تصحّر وجفاف وزلازل وبراكين وأعاصير وغيرها.

حوار أعمدة الأمة الأربعة

والخلاصة التي يمكن الخروج بها، هي أن أية دولة في هذه المنطقة لا تستطيع أن تقدُم منفردة على حلّ مشكلاتها، الأمر الذي يقتضي التعاون فيما بينها وفق صيغ وتفاهمات مقبولة تجنّبهم تغوّل الخارج، وتسهم في تعزيز الروابط بينهم على أساس الاحترام المتبادل، فما بالك بمنطقتنا التي يعيش فيها الترك والفرس والكرد والعرب وغيرهم من الأمم والشعوب، التي يجمعها الكثير من المشتركات التاريخية والثقافية والدينية والجغرافية والاجتماعية، ناهيك عن المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.

وبهذا المعنى فإن الاعتراف بالتنوّع والإقرار بالتعددية يقوم على قاعدة أساسية، هي أن السلم هو أصل العلاقة بين الناس، الأمر الذي يتطلّب فتح قنوات الحوار والاتصال بينهم، وهذا ما يحتاج إلى حوكمة لمواجهة الفساد، وأوضح سموّ الأمير إلى أننا نحن العرب ضحايا جهلنا وضحايا المواثيق والعهود الدولية، الأمر يقتضي رفع لواء التوازن والاعتدال والعقلانية والحث على التسامح، وهو ما يعبّر عنه جوهر “الحوار العربي - الكردي” وحوار “أعمدة الأمة”، فالدعوة إلى السلم لابدّ أن تقترن بالتفكير وإعمال العقل والعلم والمصارحة مع النفس في إطار حوار حضاري داخل هذا “الإقليم” ليصبح “عصبة أمم مشرقية”.

إن “حكمة الإشراق” التي تسعى إلى إيجاد الروابط بين العالم العقلي والعالم الاستدلالي والعالم الإشراقي، والتي بلورها الفيلسوف الصوفي شهاب الدين السهروردي (1155 - 1191)، والذي دفع حياته ثمنًا لأفكاره وآرائه، هي المعادل الضروري لما يتحدث به الغرب اليوم عن تقاليد التنوير، وذلك محاولة لإسباغ مضمونه على سمة الإشراق والوعي والالتزام.

وقد أضاء سمو الأمير على العلاقات الإيجابية بين الكرد والعرب والتاريخ المشترك الذي يُمكن البناء عليه والتعاون والتعايش والشراكة، مشيرًا إلى الفترات التي دافع فيها العرب والكرد عن هذه المنطقة أمام الاستعمار الخارجي، واحتضان بلدان عربية ومنها مصر، حركات النضال الكردي ضدّ الاستعمار، وكذلك النضال المشترك الذي جمع العرب بالكرد في العديد من المراحل التاريخية قديمًا وحديثًا.

وجاء في كلمته “إن ما يجمع بيننا أكثر بكثير ممّا يفرّقنا، وأن حُسن الجوار الذي عاشه العرب والكرد عبر آلاف السنين، يقدّم التفاهم والتواصل الثقافي والاجتماعي على الخلاف بين الأمتين، فللكرد مساهمات نعتزّ بها جميعًا في الحضارة العربية - الإسلامية التي احتضنت وجودنا التاريخي معًا”.واستخلص سمو الأمير أهمية الاعتراف بحق المجموعات الثقافية المتعايشة مع الشعب العربي وتطلّعاتها إلى حريّتها، وإشاعة ثقافتها والتعبير عن طموحاتها المشروعة في نيل حقوقها على أساس مبدأ المواطنة، وذلك باستلهام التجارب الإنسانية المتعدّدة والناجحة في مجال إيجاد بيئة صالحة للتعدد والتنوّع الثقافي واللغوي والديني في صورته المنفتحة والمتفاعلة وفي امتداداته الحقوقية والسياسية والثقافية والتنموية، وكذلك العمل على ترسيخ وتنمية قيم التضامن والحـــــــوار والسلم والعدالة بــــين الشعوب والأمـــم.

إن مبادرة سموّ الأمير الحسن إلى حوار عربي - كردي وحوار بين أعمدة الأمة: كرد، عرب، فرس وترك، وهناك من يضيف إليهم الأمازيغ وآخرين، وتنظيمه مؤتمرات على هذا الصعيد، إنما هي مبادرة ما تزال ذات طبيعة راهنية، تتعلّق اليوم بالتطورات الجيوبوليتكية التي حصلت في سوريا، وانعكاساتها على المجموعات الثقافية والنسيج المجتمعي السوري، فضلًا عن العلاقات بين دول الإقليم وأممه، لاسيّما احتمالات امتداد العنف والإرهاب إلى العديد من دول المنطقة، خصوصًا في ظلّ هيمنة التعصّب ووليده التطرّف.

ولعلّ الدعوة إلى الحوار برأس بارد وقلب حار، إنما تنطلق من رؤية عقلانية أساسها تعظيم الجوامع وتقليص الفوارق واحترامها بما يعزّز قيم التسامح والسلام والعدل، ويؤكد دستور اليونيسكو “لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام”. 

 أكاديمي ومفكّر عربي

 


مشاهدات 46
الكاتب عبد الحسين شعبان
أضيف 2025/04/30 - 4:05 PM
آخر تحديث 2025/05/01 - 5:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 301 الشهر 301 الكلي 10994305
الوقت الآن
الخميس 2025/5/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير