مفتتحات المذكرات .. في تلكم الوريقات
جمال السوداني
العمر قصير ، و جد قصير ، و كأنه فيلما لساعة ، أو لساعتين .. تراجعه ، فتشعر بأنه في غير دنيا ، و تحزن كثيرا على من رحلوا ، و تأسف على من كنت تعتبرهم بشرا ، و هم ليسوا كذلك . و يزداد بك الإحساس بالحيف على عديد الفرص ، التي تتالت لك ، و أدرت وجهك لها . و تلوم نفسك على تركك لحقوقك ، فتركن إلى الضمير ، الذي يوحي إليك ، بأنك لم تكن ظالما ، بل أنت المظلوم على الدوام ..
***
مرتان مرتا علي ، نسيت فيهما إسمي ، و أنا أثناء المشي الذي أحبه . فكرت ما هو إسمي ..؟ و إستدعيت صورا لمن أعرفهم ، بماذا ينادوني ..؟ فلم أتوصل لإسمي ، ثم أرجعت صورة لداخل بيتنا ، و كيف ينادوني في البيت ، عندها عرفت ما إسمي ..
***
في عالم العمر ، تحب مراحل مرت عليك ، بعينها ، قد تكون لسنين ، أو لأشهر ، فتتمنى تكرارها ، و لو ليوم واحد ، و حتى بتذكرها للحظات ، فأنت تحس إنها تنعشك ..
***
فمن أقربائك ، هناك شخصا توده دون الآخرين . و هناك خال من دون الخوال تحبه ، لأنه لم يغثك للحظة . و هناك عما ، من دون العمام تحبه ، لأنه لم يعبس في وجهك يوما . و هناك خالة من دون الخالات تحبها ، لأنها تعطيك أذنا مصغية ، حينما تتحدث معها . و هناك عمة تحبها ـ و كانت هي العمة الوحيدة ـ لكرمها الدائم لك ..
***
و في الطفولة ، يعيش في نفسك أحد الأتراب ، دون غيره ، لتشابه طبيعته و طبيعتك . و في الصبا كذلك ، تجد صاحبا دون غيره من الأصحاب ، له نفس طبائعك ، فتلتقيه كثيرا في المدرسة ، و في المنطقة ..
***
و كنا صغارا نمرح في لعبة ( الگولين زغار ) ، في أية فسحة لشارع ، أو طريق بالقرب من بيوتنا . و لعبنا ( الختيلة ) و ( الصگلة ) و ( التوكي ) و ( الشاگة ) و ( الدعبل الخارطة ، الأورطة ، و الطتب ) و ( الچعاب ) و ( البوزة ) و ( الصور الفتحة ) و ( الطم خريزة ) و ( الزار ) . و كنا نعمل ( الطائرات الورقية ) .. و نطيرها لمسافات بعيدة ، فحين ينقطع الخيط في بعض المرات ، تراها تذهب بعيدا ، و يصعب تتبعها ، فتختفي . و كنا نعمل ( عربانة أم چروخ الصچم ) . و كنا ( نؤجر البايسكلات ) لساعة أو أكثر ، و نسعد بركبها . و كنا نعمل ( إضاءة گلوب صغير و باتري و واير ) .. و ننبهر من ضوئه . و كذلك عملنا ( الفانوس السحري ) .. و خططنا على أوراق أكبر من حجم دفاترنا ، لصور عديدة بفرح كبير . إضافة لجمعنا
( الطوابع ) و ( العملات الأجنبية ) .. و هنا هواية ليست لدى الكل ، لأنها مكلفة ..
***
و كانت المأكولات و الحلويات المباعة التي يحبها الصغار ، هي ( العمبة و الصمون ) و ( الداطلي ) و ( المحلبي ) و ( المدگوگة ) و ( اللبلبي ) و
( الشلغم ) و ( الشكرلمة ) و ( چعب الغزال ) و. ( البادم ) و ( السميط ) و ( الدوندرمة أم الكابوس , أو الفل بالگلاص ، أو الأزبري ) و ( اللاكستك أم العودة ، أو الطابوگة ) و ( جعموص الملك ) و ( السمسمية ) و ( ضروگ الفار ) و ( التوفي ) و ( المصقول ) و ( العسلية ) و ( المكاوية ) و ( شعر البنات ) و ( بيض اللگلگ ) و ( علچ ميوة ) و. ( الحلاوة الشكرية ) و ( جوز هند ) و ( الحلاوة الرملية ) و ( الساهون ) . و كنت تميل إلى. ( المدگوگة ) دون غيرها ..
***
و لقد كان هنالك بطل ( الكوكا ) و ( البيبسي ) و ( المشن ) و ( السپرايت ) و ( الفانتا ، بلونين ) و ( الكندا دراي ، بلونين ) و ( التراوبي ) و ( السفن ا`پ ) و ( الشابي بلونين ) و ( السينالكو بلونين ) .. و لكنك تحب ( المشن ) دون غيره ، فكأنه البرتقال بعينه ..
***
و في الشباب ، كنت تحس بصديق دون غيره ، لأنه يشاركك في الحلوات و المرات ..
***
في المدرسة الأولى ، أنت تود معلما من دون المعلمين ، لأنه حنين في سلوكه . و كان ( أستاذ جلال ) .. معلم التربية الوطنية ، في ( مدرسة حاتم الطائي الإبتدائية للبنين ) . و كم كنا نفرح للسفرة المدرسية ، و غالبا ما كانت ، لا`ثار بابل ، أو لملوية سامراء . و أهالينا تجلب جنطة تسع لثلاث بيضات مسلوقة ، و ثلاث صمونات ، و برتقالتين ، و موزتين ، و تفاحتين ، و سكينة صغيرة ، و قليل من الملح ، و بطلين بيبسي أو سفن ا`ب . و كانوا يقيموها يوم خميس ، و ليست إجبارية على جميع الطلبة ، و قليل منهم لا يأتي الى هذه النزهة الرائعة ..
***
و في المتوسطة ، كان مدرسا ، من دون المدرسين ، كنت تحبه ، لأنه لا يستصغرك ، و كان هو ( أستاذ باسل ) .. مدرس اللغة الإنگليزية ، في ( متوسطة النيل للبنين ) ..
***
و كان ( أستاذ قيس مجيد علي ) .. مدرس اللغة العربية ، في ( إعدادية الرسالة للبنين ) . فكم كنت تأنس له ، لأنه لا يعتبرك طالبا ..
***
و لكم كنت تفرح لمجئ مصور ، يلتقط صورة جماعية للصف ، و يجلبها بعد يومين ، و كأنها صورة في العيدين ، الفطر و الأضحى ..
***
و في الكلية ، فهناك كان أستاذا كان دون غيره ، تحبه و كأنه من عائلتك ، لأنه يخصك بنمط من الحديث الإنساني ، فكانت أستاذة علم نفس الطفولة ( الست فخرية جميل الطائي ) في ( كلية الا`داب في الجامعة المستنصرية ) ..
***
في البيت ، تراك تستخدم ( ماعونا ) محددا دون غيره من المواعين ، و تستخدم (خاشوگة ) محددة ، دون الخواشيگ ، و حيث بهما الإكل يطيب و يكتمل . و هناك كان ( كوبا ) محددا ، تستمتع في شرب
( الشاي ) ، أو ( القهوة المرة ) به . و هناك كانت لأكلة ( التمن و الفاصولياء ) ، ميل دائم ، كما ( للطماطة المقلية ) ، و ( للمحروگ إصبعه ) . و كنت لا تحبذ اللحوم ، عدا ( المعلاگ ) ، و ( السمك المقلي ) . ولك حب خاص دون الخضروات ، هو ( الكراث ) . و هناك حب لفاكهة ( التكي ) و ( لنگ الدنيا ) ، دون غيرهما . و كذلك ، فلا تحب من عديد الحلويات غير
( من السما ) ..
***
و للملابس ، فلها تأثير كبير عليك ، في الطفولة ، و المراهقة ، بشكل أكثر .. لأنها تلازمك أينما تحل . لكنك تحب ( بنطالا ) دون غيره من البناطيل . و هناك ( قميصا ) تحبه دون القمصان . و هناك ( حذاءا ) دون الأحذية ، تحتذيه ، و ترتاح لهم ، لأنهم مريحون ، عمليون في المشي ، و الجلوس ..
***
و للأيام ، كنت تشعر بالأحد أحسن الأيام . و تعشق الليل ، لأن الهدوء فيه سائد . و تعد الشتاء أجمل الشهور ، فتحب البرد ، و تكره الصيف ، جامع الحر و الإزعاج ..
. ***
و للراديو ، كانت ملازمة كثيرة ، قبل تطور الستلايت . حيث وجدت أنت بإذاعة ( صوت العرب ) المصرية ، ما هو مفيدا و ممتعا . و وجدت في ( مونت كارلو ) ما هو شيقا . و بقي في الذهن أمتع لقاء سمعته ، أجراه ( د. سعد البزاز مع الجواهري بحضور علي الحلي و بعض من الأشخاص ـ في بيت الحلي ـ في حلقتين ، لساعتين في إذاعة بغداد ..
***
و للقنوات ، فانت تتابع القناة الألمانية ( دي دبليو DW ) و لقناة جنوب كوريا ( أريرانگ arirang ) و للقناة اليابانية ( أن أچ كي وورلد جابان NHK World Japan . و الصينية ( سي جي تي أن أرابيك CGTN ) .. لتستمتع بهن من بين عشرات المئات من القنوات ..
***
و للأنغام ، فالنفس ظلت تحب اليوناني ( ديمس روسوز ) ، و الأمريكي ( باري وايت ) . و تحب أطوار المقام ، و الدشت بالأغلب من غيره .. فهو الأخاذ ، و الذي يرفع الشعر في نغمه . و عاشت عندك أغان دون غيرها .. فها هي ( كل ده كان ليه لمحمد عبدالوهاب ) و ( تفرق كتير لنجاة الصغيرة ) و ( إنت و أنا لماجدة الرومي ) و ( عليك أسأل لفاضل عواد ) و ( إهنا يا من چنه و چنت لداخل حسن ) و ( بويه عينه شوسعهه لنسعودة عمارتلي ) و ( الحلم لحسين نعمة ) و ( لانك عظيم و گوي لعلي عبدالستار ) و ( تعذبني لمحمد عبده ) و ( غيار لأبي بكر سالم ) ..
***
و كم انت بقيت تحب الشريف الرضي ، و المعري ، و حسب الشيخ جعفر ، و البياتي ، و كاظم جهاد ، دون الا`لاف . و في يوم رائع ، كنت قد حظيت بالجواهري .. حيث ألقى قصيدته ( فتى الفتيان ) في قاعة إبن النديم في المكتبة الوطنية ، في ألفية المتنبي . و هي أشعر قصيدة له ..
***
و تبقى في خلدك لا`لئ الكتب عناوينا ، و مضمونا
دون غيرها و هي ( الإنسان ذو البعد الواحد ) و
( سيرة ذاتية لسارق النار ) و ( الساعة الخامسة و العشرون ) و ( ما لم يحضره الفقيه ) ..
***
و يا ما أعطوك والداك الدنانير ، لتشتري الملابس لك ، فتجلب بمعظمها المجلات و الكتب . و كم كنت متابعا لمجلة الأطفال ( مجلتي ) .. منذ العدد الأول ، ثم تابعت ( المزمار ) جريدة الفتيان . و مجلة شرق ألمانيا ( المجلة ) ، و المجلة السوفييتية ( العصر الحديث ) ، و ( الموعد ) اللبنانية ، و ( الوطن العربي ) العراقية اللبنانية ، و ( الدستور ) اللبنانية ..
***
و كم كنت تضرب الدوام الظهري ، و تتخطى شارع الرشيد ، قاصدا ( فلافل أبو سمير ) ، أو ( همبرگر أبو يونان ) ، أو مطعم ( تاجران ) . و تدخل بعد ذلك إحدى السينمات , ( الخيام ) ، أو ( سمير أميس ) . فالسينما علاجك السريع للإزعاجات .. فهي وقتك البهيج . و قد ظل في خيالك من أفلامها ( حالة حصار ) ، و ( جمعية الشعراء الموتى ) ..
***
و كم كنت تقتني القرطاسية ، من ( الأجهزة الدقيقة في السنك ) .. دون غيرها ، ثم في إنتقالها إلى ( حافظ القاضي ) .. حيث الدفاتر الأجنبية ، و أقلام الحبر و الجاف المبهرة ..
***
و أنت كم إرتحت ل( مقهى البرازيلية ) ، ثم ( مقهى البلدية ) ، و ( مقهى النعمان ) في المساء ، ثم ( مقهى حسن عجمي ) .. و ثبت عليها دون غيرها ، ففيها كنز الشخوص و النفوس ..
***
و لم تكن غير ( الكرادة ) .. تهنأ بها كمنطقة ، تغنيك سائحا ، أو شاريا ..
***
و لم يخذلك ( سوق مريدي ) .. دون غيره من الأسواق ، فتجد به ما لم تجده في غيره ، لمعظم ما تحتاجه ..
***
لنا الأيام و الأعوام تأتينا
و تحملنا على قلق ، و تلقينا ..
و تحملنا على شد يؤرقنا
فنفرط في أزقتها لتحصينا ..
نغض الطرف عن عمر يحز بنا
فندركها بما إعتمرت ، بما فينا ..
نرافقها صفوفا في تعشقها
فتدفعنا على وجع يحابينا ..
نذكرها و إنا من أدلتها
فلا نبأ يسائلنا و يقضينا ..