الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
وسائل الإدارة في تعزيز سيادة القانون والقيم في أداء الموظفين

بواسطة azzaman

وسائل الإدارة في تعزيز سيادة القانون والقيم في أداء الموظفين

لا مِراءَ في أن الموظف عندما يباشر مهامه، فهو في مقام تكليف وليس في مقام تشريف، فالوظيفة العامة تكليف وطني غايته تقديم أفضل الخدمات للمواطنين. وبالتالي فهي لا تسير وفق هوى الموظف، او المدير، بل يتم تقديم الخدمة وفق قواعد قانونية وقيم تعد موازين في ضبط ادائهم.

ونرى من الضروري بيان معنى القانون والقيم، باعتبارهما ضوابط تنظم سلوك الموظف. إذ عُرّف القانون بأنه "مجموعة قواعد السلوك العامة الملزمة للأفراد في المجتمع، والتي تنظم العلاقات والروابط، ويناط كفالة احترامها من خلال الجزاء الذي توقعه السلطة العامة على من يخالفها". انظر: (د. محمد حسنين منصور، المدخل إلى دراسة القاعدة القانونية، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2010، ص7).

ويُقصد بالقيم في اللغة العربية: "الثبات والاستقرار، وكل جيد وما له قيمة ممتازة. وهي الدالة على الفضائل الدينية والخُلُقية والاجتماعية. أما معنى القيم في الاصطلاح: "فهي المثل والقواعد المستحسنة بالفطرة والعقل والشرع، والتي تقوم عليها الحياة الإنسانية، متميزة بها عن الحياة الحيوانية، ويمكن القول إنها القوانين والمحركات الداخلية الصامتة التي تعمل في سكينة بدون ضجيج وبلا كلل ولا ملل؛ لتصوغ ضميرًا حيًا. ومن أمثلة القيم: الصدق، الأمانة، الاحترام، العدل، العدالة، الحياء، الآداب العامة...الخ. للتفاصيل أكثر انظر: (د. عماد يوسف خورشيد، نفائس قانونية وقيم إنسانية، الجزء الأول، هاترك للطباعة والنشر والتوزيع، أربيل، 2026، ص 118).

لذا، يستحسن من القائمين على إدارة المؤسسات الحكومية وهم في معرض تقديم الخدمات للمواطنين أن يثبتوا سيادة القانون والقيم في نفوس الموظفين لتظهر آثارها في الإجراء المتخذ بشكل حسن يراه المواطنون، والتي نرتئي ذكرها على النحو الآتي:

أولًا: تفعيل الرقابة الذاتية: النفس الإنسانية مجبولة على غرائز من حب المال  والتكاثر وغيرها، وهي ضرورات لاستمرار الحياة، لكن إذا سار الإنسان وراء هذه الميول دون ضابط من القيم، أفضى ذلك إلى جرائم ومشاكل اجتماعية ووظيفية. لذا، يتعين على الموظف أن يزن تصرفاته بميزان القانون والقيم عند إنجاز معاملات المواطنين، فالقانون وجد لحماية هذه القيم. وتزرع القيم في الاسرة، وترسخ في المدارس والجامعات لتأتي ثمارها في الوظيفة والمجتمع.

ثانيًا: تحسين التواصل مع الموظفين والمراجعين: يتحقق ذلك من خلال زيارات دورية يقوم بها المدير إلى جميع وحدات وشعب وأقسام المؤسسة، يلتقي خلالها بالموظفين يوجههم بأداء المهام وفق القانون والتعليمات والقيم الراسخة في الانسانية، وفي المقابل يستمع إليهم، ويتطلب ذلك التحلي بالصبر والحكمة في إيجاد الحلول. والأمثل أن يطلب من الموظف أو المواطن عند عرض المشكلة أو الموضوع أن يقترح الحلول المناسبة، ليقوم المدير بتقديرها في ضوء القانون والقيم، ثم يتخذ القرار المناسب.

ثالثًا: تفعيل رقابة المؤسسة الحكومية:  قيام إدارة المؤسسة بتفعيل الرقابة على أداء الموظفين لبيان مدى مطابقته للقانون والتعليمات والقيم، وفي حال اكتشاف خلل ما، الاستيضاح عن سبب حدوث ذلك، وإعطاء حلول واقعية لتدارك المساوئ لحسن سير المرافق العامة.

رابعًا: تطبيق أحكام المحكمة الإدارية العليا: تعد المحكمة الإدارية العليا المحكمة التي يُطعن أمامها بالأحكام التي تصدر من محكمة الموظفين والمحكمة الإدارية، وتحوز الأحكام التي تصدرها حجية الشيء المقضي به. بمعنى أن ما استقر عليه القضاء الإداري في تفسير القانون يعد ملزمًا لكافة مؤسسات الدولة لمنع الاجتهادات والتعسف في استعمال السلطة التقديرية.

خامسًا: القدوة الحسنة: وهو أن يكون هناك شخص يتم الاقتداء به في الوظيفة العامة في كل مهام، بحيث يتجسد بشخصه القواعد القانونية والقيم. قد يكون مدير الموارد البشرية أو مسؤول القسم أو الشعبة أو الوحدة أو المدير العام. ومن أمثلة الاقتداء: تكريم الموظف الجيد بكتاب شكر وتقدير أو صرف مكافأة مالية له لتشجيع الباقين للاقتداء به. وكذلك عندما يأتي مدير الدائرة إلى الوظيفة باكرًا ويهيئ كافة الوسائل ويعالج أي خلل موجود، فلا مناص أمام الموظف إلا أن يحضر قبل بدء وقت الدوام الرسمي. وإذا كان العكس، فكيف أطلب من الموظف الالتزام بالدوام والمدير لا يلتزم به! لذلك صدق من قال:

استقم بنفسك يستقم بك غيرك... كيف يستقيمُ العود والظل أعوج

سادسًا: محاسبة المسؤولين والموظفين: من المسلم به أن العقوبة ترمي إلى إصلاح سلوك مرتكب المخالفة أو الجريمة، وزجره عن معاودة الفعل مستقبلًا، وتحذير الآخرين من مغبة اقتراف مثل هذا السلوك المشين. والعقوبة ضرورة حتمية لمن لا يمتثل للقانون والقيم المرعية. وفي حال إغفالها، فإن السلوكيات السلبية ستنتشر كانتشار الوباء، لتطال حتى الموظفين الذين يحملون القيم الحميدة غير الراسخة، إذ سيجدون في إفلات المسيء من العقاب مسوغًا لأفعالهم. وإذا ما سُئل أحدهم عن سبب ارتكابه المخالفة، فسيحتج قائلًا: "لماذا لم يحاسب الموظف الفلاني على فعله المشابه؟". ولا شك أن كل ذلك يؤثر سلبًا على الأداء الوظيفي، وينعكس بالتبعية على مصلحة المواطن.

     ومعلوم ان قانون اضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل النافذ في المادة 4 و 5 قد بين واجبات ومحظورات التي يجب على الموظف الالتزام بها وفي حال المخالفة يفرض عليه احدى العقوبات الانضباطية في المادة 8 من القانون اعلاه.

سابعًا: اعتماد وسائل لنشر القانون الإداري والأحكام القضائية الباتة والقيم الإنسانية: يتطلب أن يكون في كل مؤسسة حكومية وحدة أو شعبة مهمتها نشر ضوابط وتعليمات والقوانين الخاصة بالوظيفة العامة، ونشرها في موقعها الإلكتروني، والإجابة على استفسارات الموظفين في الأمور الغامضة فيما يتعلق بالوظيفة.( د. عثمان سلمان غيلان العبودي، اخلاقيات الوظيفة العامة، الطبعة الاولى، 2011، ص 89).

وفضلا عن ذلك، رأينا توجهًا جديدًا صادر من مجلس الدولة العراقي بالقرار 157/2025 في 22/9/2025، نرتئي ذكر مضمونها، اذ جاء فيه "الاحكام الصادرة من المحكمة الادارية العليا والتي حسمت موضوعًا تتمتع بحجية الاحكام القضائية وهي ملزمة لأطراف الدعوى، ويمكن للوزارات الاخذ بما استقر عليه القضاء الاداري من مبادئ قضائية في الحالات المماثلة. واراء مجلس الدولة تعد مرجعًا رسميًا لتفسير القانون وهي واجبة الاتباع كونها التطبيق السليم لأحكام القانون ويمكن اعمامها من قبل الامانة العامة لمجلس الوزراء".

ثامنًا: تقييم الأداء:  ضرورة تفعيل تقيم الاداء من خلال معايير تعد مسبقًا توضع فيها معايير اداء المهام مع ارفاق المستندات التي تؤيد انجاز المهام، وتكون بشكل شفاف وعادل، وعرض النتيجة على الموظف ومن بعد ذلك مكافئة الموظفين الحاصلين على درجات عالية، ليكونوا قدوة، للاقتداء بهم في المؤسسة.

تاسعًا: التدريب والتطوير: تحتاج المؤسسة إلى تثبيت كل ما تقدم، وإقامة دورات وندوات وورش بشكل دوري مستمر؛ لعرض القوانين والتعليمات والقيم التي تخص الموظفين في المؤسسة الحكومية من قبل مدير المؤسسة والمختصين في القانون والإدارة، وعرض نماذج عملية أمامهم والاستشهاد بأحكام القضاء الإداري باعتباره الجهة المختصة بتفسير القوانين بشكلها الصحيح، ليكون الموظفون وخاصة المتعَيَّنون حديثًا على بيّنة من أمرهم وعدم الوقوع في مخالفات قانونية كإجراء وقائي.

خلاصة القول، الوظيفة العامة تكليف وطني، أُنشئت لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، والمتاجرة بها جريمة، سواء بالرشوة أو الاختلاس أو غير ذلك. ولا تسير الوظيفة العامة وفق الأهواء الشخصية، بل ضرورة الالتزام بالدستور والقوانين واللوائح والتعليمات والضوابط والقيم التي تنظم عملها، وتُعد عمادًا لإتمام المهام. وهي المعيار الذي تتم بموجبه محاسبة الموظف المقصر، بهدف تصحيح سلوكه وتحقيق الغاية المنشودة من الوظيفة العامة.

                                        

 

الجامعة التقنية الشمالية/ كلية البوليتكنك كركوك

 

 

 


مشاهدات 78
الكاتب عماد يوسف خورشيد
أضيف 2025/12/13 - 1:17 PM
آخر تحديث 2025/12/14 - 1:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 93 الشهر 9946 الكلي 12793851
الوقت الآن
الأحد 2025/12/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير