الحرف العربي تشكيل فني مدهش
أثر الخط والزخرفة الإسلامية في اللّوحات الغربية
احمد سعيد
لا أريد هنا التفصيل في الحديث عن أصل الخط العربي وتطوره عبر العصور المختلفة حتى عصرنا الحاضر، فقد كتبت فيه مواضيع كثيرة، وحسبي أن أشير إلى أن الخط العربي كان معروفا منذ عصر ما قبل الإسلام، فقد توصل العلماء على ضوء اكتشافاتهم للنقوش الحجرية، إلى أن الخط العربي القديم اشتق من الخط النبطي المتأخر الذي اشتق بدوره من الخط الآرامي.
وقد أولى العرب المسلمون الخط عناية كبيرة وذلك لورود ذكره في القرآن الكريم ( اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) وقد أقسم الله تعالى بالقلم في قوله تعالى (ن والقلم وما يسطرون) كما شجع الرسول الأعظم (ص) الكتابة والقراءة وعمل على نشرها بين المسلمين.
للحرف العربي تشكيل فني مدهش أتاح له أن يكون عنصرا أساسيا في الزخرفة فهذا الحرف هو لوحة فنية بذاته، لوحة فيها من الإيحاء والنسب والتناسق ما يجعلها تنافس أهم مدارس الفن ومذاهبه المعاصرة. ولا غرابة أن يتأثر فنانو الغرب بالحرف وقد تجلى ذلك واضحا وقويا عند الفنان (بول كلي) حيث كان يطيب له ان يكتب جملا باللغة العربية بأشكال الخط العربي الجميل دون ان يعرف قراءة العربية وفهمها.لقد جذبه شكل الخط العربي وتكوينه وهكذا كانت الحالة مع فنانين آخرين امثال هوفر، نالاردو تروكس وغيرهم.
ترى ما الذي يمتاز به الخط العربي حتى احتل كل هذه المكانة الفنية؟ انه يمتاز بميزة قلّ ان توجد في خطوط الأمم الأخرى، تلك هي امكانية زخرفته على وجوه لا تعد فلكل حرف عربي هندسته الخاصة، تلك الهندسة القائمة بساطة الصورة وتناسقها. وهذا ما منحه ايضا القدرة على الاستمرار في تجديد نفسه والمرونة التي تجعله متوافقا مع تجدد النظرات الفنية وتطورها.
يقول غوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب (لقد بلغ الخط العربي من الصلاحية للزينة حدا عظيما مما جعل رجال الفن في القرون الوسطى وفي عصر النهضة يكثرون من استنساخ ما كان يقع تحت أيديهم اتفاقا من قطع الكتابات العربية يتزينون بها المباني).
وفي مجال الزخرفة العربية الإسلامية واستخدامها في الفنون الغربية فقد قام رسامو الغرب في القرن الرابع عشر بتزيين لوحاتهم ببعض الزخارف الشرقية لتحلية الأقمشة الفاخرة من حرير وأنسجة مزركشة يتبين انه يرى انتشار تصميم شرقي في فنون الغرب.
وقد أخذ مصورو ايطاليا للمرّة الأولى وعلى رأسهم مشاهير من امثال جيوتو ودوتشيودى بود ينزينيا بإدخال الكثير من تلك الزخارف الإسلامية الجذابة في لوحات قدسييهم ذات التكوينات الضخمة وما لبثوا ان ادخلوها أيضا في زخرفة منسوجاتهم الحديثة الفاخرة، وبذا ظهر طابع تصويري جديد كان بعيدا كل البعد عن أشهر الرسامين الغربيين في القرن الثالث عشر.
من هنا نستطيع القول وبكل اعتزاز إنه كان للخط والزخرفة العربية الإسلامية أثر كبير على الفنون الغربية مما جعل من فناني الغرب أن يأتوا بلوحات فنية غاية في الروعة والإبداع، تلك التي بلغت حدا جماليا رفيعا شأنها شأن الزخارف الإسلامية التي ما زالت تزين منائر الجوامع والمساجد القديمة والحديثة المنتشرة في أرجاء العالم الإسلامي.
□ خطاط