الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإعلام بين حرية التعبير وإحترام الذوق العام

بواسطة azzaman

الإعلام بين حرية التعبير وإحترام الذوق العام

عبد الـله ياسين الجنابي

 

في زمن الانفتاح الإعلامي، لم تعد اللقاءات التلفزيونية مجرد حوارات عابرة، بل منابر لتشكيل الرأي العام والتأثير في المجتمع. غير أن بعض هذه اللقاءات تشهد انحدارًا لغويًا مؤسفًا، إذ يستخدم بعض الضيوف ألفاظًا نابية أو عبارات تخدش الحياء، بل يصل الأمر أحيانًا إلى سبّ الذات الإلهية، وسط صمت المذيع واستمرار البث وكأن شيئًا لم يحدث.

ويبدو أن بعض المذيعين يتعاملون مع هذه المواقف كما يتعامل سائق الأجرة مع زحمة المرور: «ما باليد حيلة»، فيكتفون بالابتسامة المزعجة وكأن الشتائم جزء من البرنامج الثقافي المسائي!

حرية التعبير لا تعني الفوضى اللفظية، ولا تبرر الإساءة إلى القيم والمقدسات. فالإعلام المهني يقوم على الحرية المسؤولة، لا على الانفلات. وحين تتحول البرامج إلى ساحات شتائم، فإنها تفقد احترام الجمهور، وتسيء للمهنة قبل أن تسيء للأشخاص. لكن الغريب أن بعض البرامج باتت تتنافس على “أعلى نبرة صوت” لا على “أعلى فكرة”، فصار معيار النجاح هو كم مرة صرخ الضيف، لا كم فكرة قال! وربما قريباً نرى برنامجاً بعنوان “ : من يصرخ أخيراً يفوز”!

مقدم البرنامج ليس ناقلًا للكلام فحسب، بل صمام أمان أخلاقي، وعليه أن يتدخل عند تجاوز الضيوف حدود اللياقة. فالصمت في هذه الحالات ليس حيادًا، بل تواطؤ مهني يضعف مكانة القناة.

أما المذيع الذي يبرر صمته بأنه “يحترم حرية الرأي”، فننصحه أن يقرأ تعريف الحرية في معجم الأخلاق، لا في جدول نسب المشاهدة.

وهنا يبرز سؤال مهم: هل يُسمح لبعض الأشخاص بالتجاوز لأنهم أصحاب مناصب ونفوذ لا يُمكن نهيهم؟ أم أن السبب ضعف المذيع وعدم قدرته على إدارة الحوار؟ أم أن الهدف هو تطبيع المجتمع مع الألفاظ الخادشة حتى تصبح مألوفة؟ يبدو أن بعض القنوات تتعامل مع الجمهور كما يتعامل الطاهي الفاشل مع الزبائن: “أحرق الطبخة؟ لا بأس، نسمّيها تجربة جديدة في النكهات!”

مهما كان السبب، فالنتيجة واحدة: تراجع في هيبة الخطاب الإعلامي وفقدان احترام المشاهد. فحين تصبح الكلمة أداة شجار لا أداة حوار، يسقط الإعلام من منبره إلى مستوى “الترند”، وتضيع هيبته بين ضجيج لا يقول شيئاً.

من الضروري أن تلتزم المؤسسات الإعلامية بمدونات سلوك واضحة، تمنع أي إساءة لفظية أو دينية، وتفرض على مقدمي البرامج ضبط الحوار أو إنهائه عند التجاوز. كما يجب استخدام تقنيات تأخير البث لتجنب ظهور الألفاظ غير اللائقة على الهواء مباشرة. فليس من المعقول أن نعيش في عصر الأقمار الصناعية، وما زال بعض المذيعين يتصرفون بعقلية “مقهى الحارة”!

إن الإعلام رسالة ومسؤولية، لا مجرد وسيلة لجذب المشاهدين. فالكلمة أمانة، والحرية لا تكتمل إلا حين تقترن بالمسؤولية. والالتزام بالضوابط الأخلاقية في اللقاءات التلفزيونية ليس تقييدًا للرأي، بل هو حماية لكرامة الكلمة واحترام لوعي المجتمع.

 

 

 


مشاهدات 59
الكاتب عبد الـله ياسين الجنابي
أضيف 2025/10/30 - 5:26 AM
آخر تحديث 2025/10/30 - 8:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 276 الشهر 20543 الكلي 12360397
الوقت الآن
الخميس 2025/10/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير