الإتجار بالبشر .. عبودية في ثوب جديد
نبراس المعموري
خلال السنوات الأخيرة شهدت الساحة العراقية تصاعداً مقلقاً في بعض الظواهر الإجرامية والاجتماعية التي تمسّ جوهر الأمن الإنساني، وعلى رأسها الأتجار بالبشر. وقد جاءت إحصاءات مديرية مكافحة الاتجار بالبشر في وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية لتكشف جانباً من حجم هذه الظواهر وتعقيدها، فمنذ مطلع عام 2025 وحتى منتصف تشرين الأول من العام ذاته، أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيك 163 شبكة إجرامية متنوعة النشاط، منها شبكات للاستغلال الجنسي، وبيع الأطفال، وتهريب العمالة، والتسول. وهذه الأرقام تكشف حجم المشكلة المتنامية في البنية الاجتماعية والاقتصادية التي تسمح بمثل هذه الجرائم .
ويُعد الاتجار بالبشر من أخطر الجرائم العابرة للحدود، إذ يتضمن استغلال النساء والأطفال والرجال لأغراض جنسية أو عمالية أو تجارية. وتشير البيانات الرسمية إلى أن 96 شبكة للاستغلال الجنسي و14 شبكة للاتجار بالبشر تم تفكيكها في أقل من عشرة أشهر، وهو رقم صادم يعكس مدى انتشار هذا النشاط في الظل. ويمكن تفسير انتشار هذه الظاهرة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها عدد كبير من الأسر، وضعف الوعي القانوني والمجتمعي بخطورة الاتجار بالبشر، إذ لا يدرك الكثيرون أن بعض أشكال العمل القسري أو الاستغلال الجنسي تدخل في هذا الإطار اضافة إلى تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أداة للتغرير بالضحايا أو استدراجهم عبر وعود كاذبة بالعمل أو الزواج.
من بين الأرقام المثيرة للقلق التي أعلنتها وزارة الداخلية تفكيك 21 شبكة لتهريب العمالة الأجنبية والمهاجرين، و16 شبكة لبيع الأطفال. هذه الأرقام تشير إلى اتساع نطاق الجرائم التي تستغل الإنسان كسلعة.
وتهريب العمالة لا يرتبط فقط بتجاوز القوانين، بل كثيراً ما يؤدي إلى استغلال المهاجرين في أعمال قسرية أو ظروف غير إنسانية، في حين تمثل تجارة الأطفال جريمة مزدوجة ضد الطفولة والإنسانية معاً، لما تخلّفه من آثار نفسية واجتماعية طويلة الأمد. يرافق ذلك استغلالهم في التسول عبر 16 شبكة منظمة عكس اتساع دائرة الفقر وتراجع الرقابة الأسرية.
تحليل ما بين الأمن والمجتمع
الأرقام التي أعلن عنها لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق العام للمجتمع العراقي الذي يعاني من تحولات اقتصادية وثقافية متسارعة. ومع ذلك، فإن نجاح الأجهزة الأمنية في تفكيك هذا العدد الكبير من الشبكات خلال فترة قصيرة يشير إلى تطور القدرات الاستخبارية والتقنية، لمحاربة هذه الظواهر التي تهدد تماسك المجتمع.
لكن يبقى التحدي الحقيقي هو تحويل الإنجازات الأمنية إلى استراتيجية وطنية شاملة، تشترك فيها الجهات التربوية والدينية والإعلامية، لتجفيف منابع الاستغلال من جذورها، وليس الاكتفاء بالمواجهة الميدانية.
ولكي ينجح هذا الجهد، يجب أن تتكامل المقاربة الأمنية مع الوعي المجتمعي، وأن يُنظر إلى الضحايا كأشخاص بحاجة إلى حماية ورعاية لا كجناة.