الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العطش الأمريكي إلى نفط فنزويلا

بواسطة azzaman

أذن وعين

العطش الأمريكي إلى نفط فنزويلا

عبد اللطيف السعدون

 

لا يكل الأمريكيون، ولا يملون من البحث عن النفط منذ أن أقر «مجلس الحرب» الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية وجوب تأمين طرق دائمة للوصول إلى النفط في أي مكان في العالم، وأعتبر هذا المبدأ منذ ذلك الوقت أساسا في رسم استراتيجية الولايات المتحدة في المجال الخارجي، وغالبا ما كان العطش إلى النفط (بوصف الكاتب الأميركي إيان رتليدج) أحد أسباب ذهاب الأمريكيين الى الحروب في العقود الأخيرة، ويمثل اليوم السر وراء سياسة ادارة الرئيس دونالد ترامب تجاه فنزويلا التي ينظر إليها الأمريكيون على أنها «بئر» يضم أكبر احتياطيات النفط في العالم (303 مليار برميل وأزيد من 359 مليار إذا أضيفت الاحتياطيات المحتملة)، ولن ينضب هذا «البئر» قبل مرور عقود عدة، وقد زاد من حرارة هذا التوجه شعور الأمريكيين بأن دخول الروس والصينيين إلى كراكاس على عهد الزعيم اليساري هوغو تشافيز وخلفه  نيكولاس مادورو وضع بصمة على خارطة النفوذ في القارة اللاتينية التي يعدونها، إلى عهد قريب، حديقتهم الخلفية الخالصة لهم

غواصات ذرية

هذا يفسر تدفق وصول العساكر الأمريكيين الى البحر الكاريبي في الأيام الأخيرة حيث حطت على مقربة من سواحل فنزويلا ثلاث سفن حربية، وغواصات ذرية، وحاملة طائرات، وطائرات تجسس، و4500 من أفراد مشاة البحرية، ومعدات لا نهاية لها لكن واشنطن كعادتها لا تريد أن تجهر بالسبب الحقيقي الذي دفع عساكرها بالاقتراب من الشواطئ الفنزويلية، وهي تغلف ذلك بادعاء سعيها لمكافحة تجارة المخدرات التي تتهم مادورو ورجاله النافذين في السلطة بترويجها في القارة اللاتينية، وأن ذلك يستدعي ممارسة خطة «الضغط الأقصى».

ويشبه «السيناريو» المطروح ما سبق أن فعلته ادارة جورج بوش الأب في ثمانينيات القرن الماضي في تدخلها العسكري في بنما تحت ذريعة مكافحة الاتجار بالمخدرات التي واجهت بها حكومة الجنرال مانويل نورييغا الذي كانت قبلا قد جعلت منه «رجلها» في أميركا الوسطى ثم ما لبثت أن أطاحت به عندما تمرد عليها، ووجهت له تهمة الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال، وحكمت عليه بالسجن في حين كان الهدف الحقيقي السيطرة على قناة بنما، وحماية المصالح الأمريكية هناك.

في الحالة الفنزويلية لا أحد يصدق أن الأمريكيين، الرئيس دونالد ترامب بالذات، لم يضع أمامه التدخل العسكري المباشر في فنزويلا كأحد الخيارات المطروحة على الطاولة وهو الذي أطلق أثناء ولايته الأولى حملة لإسقاط مادورو عبر عملية تنصيب الزعيم اليميني خوان غوايدو رئيسا لحكومة موازية، وفي حينه وعد مواطنيه «أن فنزويلا ستنهار، وستكون احتياطيات النفط الثمينة في عهدتنا»، لكن الخطة فشلت، وتحول غوايدو إلى مجرد لاجئ في ميامي، لكن في هذه المرة تجنب ترامب المراهنة العلنية من جديد على الإطاحة بالرئيس الفنزويلي عندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كان يفكر بذلك، وابتعد عن الإجابة المباشرة بتأكيده أن محاربة تجارة المخدرات أضرت كثيرا بالقارة الأميركية، وبالولايات المتحدة بالذات.

اشارة ترامب هذه تعيد إلى الأذهان ما كان المفكر الاستراتيجي الأمريكي الراحل جورج كينان قد قاله في حينه من أن الكلمات يكون وقعها أثقل من الرصاص لكنها سرعان ما تفقد ثقلها عندما يتقدم الرصاص ليأخذ مكانه، وهذا هو، على الأرجح، ما دار في خلد مادورو وهو يتحسب من احتمال أن يقدم ترامب على ارتكاب خطوة حمقاء ضد بلده، قد تكون ضرب مواقع معينة أو استهداف شخصيات رئيسية في النظام، أو تحريض قوى اجتماعية أو عسكرية على التمرد، أو حتى تدخل عسكري مباشر وأكثر شمولا، ولذلك أعلن تشكيل «الميليشيا الوطنية البوليفارية» للدفاع عن البلاد، بنفس الوقت الذي دعا فيه بنبرة تصالحية صنوه الأمريكي إلى وضع العداء جانبا، والحوار لحل المشكلات، وإرساء علاقات ندية بين البلدين.

توحيد قطاعات

وبالطبع فإن احتمال قبول ترامب لدعوة مادورو غير وارد لكن ذلك قد يفضي الى توحيد القطاعات الشعبية المختلفة وراء حكومة مادورو، خاصة وأن فئات معارضة لم تعد ترى في الولايات المتحدة صورة المخلص المنتظر بعد ما فعلته واشنطن في العراق وفي غير العراق.

وعلى أية حال، فإن النظرة الواقعية للأحداث الماثلة لا تتوقع حلا للأزمة الحالية بين أمريكا وفنزويلا في المدى المنظور إلا إذا أدركت واشنطن أن بإمكانها أن تقايض حصولها على النفط الفنزويلي بالتخلي عن ممارسة «الضغط الأقصى»، والركون إلى التهدئة والحوار، وعلى كركاس، في حال كهذه، أن تعي ما ينبغي عليها فعله لكي لا تقع في الفخ المنصوب لها.

 

 

 

 


مشاهدات 47
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/09/13 - 11:52 AM
آخر تحديث 2025/09/13 - 1:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 448 الشهر 9044 الكلي 11926917
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير