الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قمة ألاسكا وملامح عودة العلاقات الأمريكية – الروسية

بواسطة azzaman

قمة ألاسكا وملامح عودة العلاقات الأمريكية – الروسية

نبراس المعموري

 

تثير قمة ألاسكا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تساؤلات عميقة تتجاوز مشهد اللقاء البروتوكولي إلى حسابات النفوذ وموازين القوة. فهل مثلت القمة نصراً دبلوماسياً لموسكو؟ أم أنها فتحت الباب أمام واشنطن لتعيد صياغة معادلة الصراع في أوكرانيا وفق أولوياتها؟

وقبل الخوض بما تمخض عن القمة لابد من الاشارة انه سبق عقدها قلق أوروبي متنامٍ إثر تلميحات ترامب إلى إمكانية تسوية الأزمة عبر “تبادل أراضٍ”، ضمن اتفاق سلام وهو ما أثار مخاوف من مساومات على حساب سيادة أوكرانيا. غير أن تطميناته اللاحقة لقادة أوروبا، متوعداً بوتين بـ”عواقب وخيمة” في حال رفضه وقف الأعمال القتالية، أضفت أجواء من الحذر الممزوج بالأمل. لكن مجريات اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات بددت معظم تلك التطمينات، إذ نجح بوتين في استثمار الحدث لكسر طوق العزلة، مستفيداً من استقبال رسمي لافت ومؤتمر صحفي قلب التوقعات.

تصريحات ترسم المخرجات بين الطرفين

أبرز ما خرج به ترامب كان إعلانه أن الحرب الأوكرانية يمكن أن تنتهي عبر اتفاق يقضي بتبادل الأراضي وضمانات أمنية أمريكية. الأكثر إثارة للجدل وصفه لبوتين بأنه “قوي وصارم”، ونصيحته لزيلينسكي بقبول “صفقة” مع روسيا. ورغم أنه عاد ليدعو إلى اتفاق سلام شامل، إلا أن التحول من فكرة وقف إطلاق النار إلى تسوية نهائية يصب عملياً في مصلحة موسكو.

في المقابل، ركز بوتين على تقديم القمة كنقطة انطلاق نحو استعادة العلاقات الروسية – الأمريكية. وأكد أن “معالجة الأسباب الجذرية” للصراع تعني عملياً إعادة صياغة سيادة أوكرانيا ووقف توسع الناتو شرقاً، مع إبداء مرونة شكلية في التنازل عن بعض المطالب مقابل تثبيت السيطرة على دونيتسك. وهنا، بدت مكاسب موسكو أوضح: اعتراف ضمني من واشنطن بضرورة المساومة، وفتح قناة سياسية جديدة بعد عزلة طويلة. اما أوروبا فالمواقف تباينت بين الترحيب الحذر والدعم المشروط لأوكرانيا. وعلى سبيل المثال ردود أفعال بعض قادة الاتحاد الأوروبي جاءت ، مرحبة، بجهود الرئيس الأميركي، وشددت على دعم أوكرانيا، وضرورة منحها ضمانات أمنية، لمنع تكرار الغزو الروسي مرة أخرى بعد التوصل إلى وقف النار، لكن بالمقابل دول مثل النرويج وبولندا والتشيك تعاملت بريبة أكبر تجاه نوايا موسكو. بل إن رئيس وزراء بولندا، دونالد تاسك، ذهب إلى القول إن “المعركة من أجل مستقبل أوكرانيا وأمن أوروبا دخلت مرحلة حاسمة”، مؤكداً أن روسيا لا تحترم سوى القوة. هذا الموقف يلخص المعضلة الأوروبية: الحاجة إلى تسوية تحفظ ماء الوجه دون خسارة أوكرانيا بالكامل.

قراءة في المشهد: مكاسب روسية وصورة أمريكية متناقضة

المقارنة بين تصريحات ترامب وبوتين تكشف أن الكفة تميل لصالح روسيا، سواء بكسر العزلة أو بترسيخ معادلة جديدة للنزاع.

أما الولايات المتحدة، فظهرت بموقف متناقض: من التهديد بالعواقب إلى تقديم الضمانات الأمنية، ومن الضغط على موسكو إلى نصح كييف بعقد صفقة.

ختاما… قمة ألاسكا لم تكن مجرد محطة تفاوضية، بل انعكاس لمعادلة “القوة والمصلحة” التي تتغير بتغير التوقيتات والظروف. فهي منحت موسكو فسحة استراتيجية، وأظهرت هشاشة التماسك الأوروبي، وكشفت في الوقت ذاته عن براغماتية ترامب الذي قد يتحول من هادم لتحالف “الراغبين” الداعم لكييف إلى مهندس لتسوية تُفرض على الجميع.

إنها قمة جسدت حقيقة السياسة الدولية: لا ثوابت، بل مصالح تتغير بساعات، وأوراق يعاد خلطها وفق منطق القوة قبل أي اعتبار آخر.

 

 


مشاهدات 75
الكاتب نبراس المعموري
أضيف 2025/08/17 - 4:18 PM
آخر تحديث 2025/08/18 - 10:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 300 الشهر 12702 الكلي 11407788
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير