الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإشاعة المركبة وآثارها على وحدة الوطن

بواسطة azzaman

الإشاعة المركبة وآثارها على وحدة الوطن

قتيبة آل غصيبة

 

في زمن الاضطراب السياسي والاجتماعي؛ تتحول الإشاعة إلى أداة خطيرة قادرة على تمزيق المجتمعات وتوجيهها نحو مصائر لا تخدم سوى الفاسدين والمتلاعبين؛ وفي العراق اليوم؛ تبرز بقوة «الإشاعة مركبة  الخطاب» ؛ إشاعة تتغذى على رسالتين متناقضتين لكنها متكاملة في تحقيق هدف واحد: (إدامة الانقسام وإبقاء الشعب في حالة شلل جماعي)، إذ يخرج علينا بإستمرار بعض الاعلاميين وبعض المغمورين ممن يحسبون انفسهم انهم خبراء ومحللين سياسيين؛ بتصريحات أو مقالات وتقارير مبنية على معلومات مزيفة او مُبالغ فيها؛ مدفوعين بأجندات داخلية او خارجية؛ تهدف  الى صناعة حالة من الفوضى  وإلارباك للشعب العراقي؛ مما يساهم في زيادة التفكك المجتمعي والفُرقة وعدم الثقة بين مكوناته.

ويمكن تعريف الإشاعة المركبة: (بأنها إشاعة مزدوجة؛  تقوم على خطابين  متناقضين خطيرين ؛ هما: «خطاب التخويف» : والذي يوجه إلى فئة معينة؛ مفاده أن «الأعداء يحيطون بكم وسينقضون عليكم إذا تغير الحكم»؛ ما يدفع هذه الفئة إلى التمسك بحكامها رغم فسادهم؛ بحجة أن البديل أسوأ)، و(«خطاب الأمل الكاذب» : وهذا يوجه إلى الفئة الأخرى؛ ليقنعها بأن «التغيير حتمي لصالحكم؛ وبدعم دولي قريب»، فيزرع التواكل وانتظار المُخَلِّص الخارجي؛ بدلا من الاعتماد على التلاحم الشعبي  والعمل الوطني الجاد؛ للتغيير نحو ألافضل)، وبهذا يتحول الشعب؛ إلى نصف خائف يستسلم للفساد؛ ونصف آخر متواكل يركن إلى الوهم.

إن خطورة الإشاعة المركبة تكمن، في» (تثبيت الفاسدين في الحكم) ؛ إذ يجدون في الخوف الشعبي درعاً يحميهم ، وفي ا(لأمل الكاذب) ؛  كأداة لتأجيل محاسبتهم» ، كذلك فإن هذه الاشاعة تساهم؛ في «تعميق الانقسام المجتمعي؛ إذ يُنظر إلى كل مكوّن بوصفه تهديداً محتملاً» ، كما ان الاشاعة المركبة؛ تعمل على «شلّ الإرادة الوطنية الموحدة؛ فالخائف لا يتحرك؛ والمأمول لا يعمل؛ والنتيجة هي جمود شعبي قاتل»، كما انها تساهم في» فتح الباب أمام التدخل الخارجي؛ إذ يصبح الناس مستعدين واهمين لقبول أي (منقذ خارجي) «؛ سواء كان قوة إقليمية أو عالمية.

جهات رسمية

 في قراءة فكرية؛ تعتبر ألاشاعة عموما؛  أحد أسلحة الحرب النفسية ألاساسية، نظراً، (لتكلفتها المنخفضة)؛ فهي لا تحتاج إلى أموال طائلة أو تقنيات معقدة لنشرها، خاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، (وسرعتها الفائقة)؛ فهي تنتشر بسرعة هائلة؛ أسرع بكثير من قدرة الجهات الرسمية على نفيها أو تصحيحها، وكذلك؛ (القدرة على التدمير)؛ لانها لا تحتاج إلى قنابل لتدمير الأوطان؛ إذ يمكن للإشاعة أن؛ «تزرع الفرقة والخلاف بين أفراد المجتمع؛ وتساهم في خفض معنويات الشعب؛ وتصنع حالة من الذعر والهلع تؤدي إلى الإرباك والفوضى»، وتعتبر الاشاعة ايضا سلاحا مهما في الحرب النفسية؛ (لصعوبة تتبعها)؛ إذ غالباً ما يكون من الصعب تحديد المصدر الحقيقي للإشاعة؛ مما يجعل مواجهتها أكثر تعقيدًا. عموما فإن الاشاعة كسلاح؛ تعتمد  على استغلال نقاط ضعف بشرية ونفسية أساسية والتي من اهمها، (الجهل) ؛ فعندما يفتقر الناس إلى المعلومات الرسمية الموثوقة؛ يصبحون تربة خصبة لتصديق أي شيء، وكذلك (الخوف في أوقات الأزمات والحروب)؛ إذ يكون الشعب في حالة خوف وقلق؛ مما يجعلهم أكثر استعداداً لتصديق الأسوأ، بالإضافة الى (التعصب والانحياز)؛ إذ انها تنتشر بسرعة عندما تتوافق مع التحيزات المسبقة أو الخوف  والكراهية لفئة أو جماعة معينة، كما ان ألاشاعة وخاصة المثيرة منها؛ والتي تنتشر كالنار في الهشيم؛ تمنح لمن ينشرها (شعورا بألاهمية)؛ ساعيا للحفاظ على صورته ومكانته بين الناس. وفي هذا الصدد يقول؛ «الطبيب والمؤرخ الفرنسي  غوستاف لوبون ت: 1931م» ؛في كتابه «سيكولوجية الجماهير» : (الجماهير لا تفكر بل تنفعل؛ ولا تحكم بالعقل بل بالعاطفة..)؛ ومن هنا يصبح اللعب على الخوف والأمل أخطر أدوات السيطرة، أما «المفكر الامريكي  نعوم تشومسكي» فيذكر في كتابه  «ألاعلام وصناعة الموافقة»؛: (أن الأنظمة والنخب تستخدم الإعلام والدعاية لتوجيه الرأي العام نحو القبول بالواقع القائم؛ حتى لو كان فاسداً أو ظالماً... )، وهنا يؤكد؛ «مؤسس علم الدعاية ادوارد بيرنيز ؛ ت: 1995» ؛ بأن: (التلاعب الواعي والمنظم بالعادات والآراء للجماهير؛ يمثل عنصراً أساسياً في المجتمعات الديمقراطية الحديثة)، فيما يرى؛ (المنظر العسكري كارل فون كلاوزفيتز؛ ت: 1831)؛ (أن الحرب ليست فقط بالسلاح؛ بل هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى)؛ وهكذا تتحول الحرب النفسية إلى أداة مكملة للحرب العسكرية؛ وغالباً ما تكون  أشد تأثيراً.

احزاب مدعومة

وحقيقة فإن كل تلك القواعد أصبحت بلا شك تنطبق على العراق؛إذ تُصاغ الإشاعة لتوجيه السلوك الجماعي الوطني فيه نحو المزيد من التفكك والتخندق الطائفي والعرقي؛ والاستمرار في إضعافه وشل إرادته الوطنية، وتتثمل أدوات إدارة الإشاعة المركبة في العراق، اهمها « (الاعلام الحزبي) ؛ فبعد ان أصبح العراق يعج بعشرات الاحزاب المدعومة من الخارج واموال الفساد؛ والتي اصبحت تمتلك ناصية الاعلام من خلال القنوات الفضائية وألاذاعات والمنصات والمنابر ألاعلامية؛ إذ تعمل هذه الوسائل الاعلامية على؛ تضخّيم الخطر من طرف؛ وتمنّي بالأمل من طرف آخر»، بالاضافة الى؛ «(الجيوش الإلكترونية الممولة)؛ التي تعمل على إنتاج آلاف الرسائل في مواقع التواصل لزرع الشكوك وإدامة الانقسام»، وكذلك؛ (المنابر الدينية والسياسية)؛ التي أصبحت تُستخدم لتغليف الإشاعة بقداسة أو شرعية؛ والتي يفترض ان يكون دورها إشاعة وبث روح التسامح والتعايش السلمي وتأكيد الهوية الوطنية. «

بعد هذا الاستعراض لخطورة الإشاعة المركبة ذات الاتجاهين المتناقضين؛ ولتفادي أضرارها وتداعياتها؛ فإنه يجب على النخب الحاكمة لبلد يضم مكونات متعددة، «(نشر ثقافة الوعي النقدي) ؛ فمن خلال تكرار السؤال: من المستفيد من هذه الرسالة اوالتصريح؟ يصبح بإلامكان  كشف حقيقتهما» ، وكذلك «(صناعة وتعزيز ثقافة الوحدة الوطنية) ؛ من خلال؛ تجاوز الافكار الطائفية والعرقية الضيقة لصالح الهوية العراقية الوطنية الجامعة» ، بإلاضافة الى؛ «(رفض التواكل على الخارج)؛ فلا أحد سيمنح العراقيين مستقبلاً أفضل؛ لأن؛ (الحرية لا تُمنح بل تُنتزع)؛ كما قال «المفكر جان جاك روسو؛ ت 1778م» ، كما يجب بالضرورة؛ «(تفعيل أليات المحاسبة الشعبية)؛ وعدم السماح للفاسد أن يتحصن وراء طائفة أو قومية أوفئة معينة؛ لأن الفساد عدو الجميع»، كذلك؛» ينبغي  (رفع الوعي والتربية الإعلامية) ؛ وإدخال مواضيعها في مناهج الدراسة بكافة المستويات؛ لرفع وعي الناس بكيفية عمل الدعاية والحرب النفسية؛ والتقليل من أثرها.

 إن الخوف الذي يُزرع في قلوب العراقيين؛ والأمل الكاذب الذي يُلَقن لهم؛ هما سلاحان في يد الفاسدين والمتلاعبين؛

وفي هذا الصدد يقول المفكر «نعوم تشومسكي» : (إذا لم نكن نحن من نتحكم بأفكارنا؛ فسيكون هناك آخرون يفعلون ذلك نيابة عنا...)، فمستقبل العراق لا يُصنع بالركون إلى الوعود؛ ولا بالاحتماء بالفاسدين، بل بالوعي والوحدة والعمل، فلا يجب السماح للإشاعة أن تسلب عقولنا وإرادتنا؛ ولا أن نجعل خوفنا من باقي العراقيين وقوداً للفاسدين يحتمون بنا؛ ولا آمالنا بالتغيير من الخارج جسراً للوهم، فالإشاعة ذات الخطابين المتضادين ليست مجرد كذبة عابرة؛

بل هي أداة متقنة من أدوات الحرب النفسية؛ هدفها إدامة الأزمات وتكريس الانقسام وإبقاء العراق تابعاً للقوى الإقليمية والدولية ،

وإن محاربتها  والتحصين ضدها؛ يبدأ بالوعي الجماعي؛ ويستمر بالعمل الوطني الصادق، إنها مسؤولية الجميع في أن تُغلق أبواب العقول أمام الوهم؛ وان يتم فتحها على الحقيقة، لأن الأوطان لا يحميها إلا أبناؤها... والله المستعان...


مشاهدات 60
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2025/10/15 - 2:49 PM
آخر تحديث 2025/10/16 - 3:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 104 الشهر 10368 الكلي 12150223
الوقت الآن
الخميس 2025/10/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير