مهرجان ينبض بالحياة والذاكرة العراقية في سيدني
جمعية برطلة تحتفي بإحياء تراث بلدتها في أسبوع اللاجئين
سيدني – بشار الوكيل
في إطار أسبوع اللاجئين في أستراليا، احتضنت مدينة فيرفيلد بولاية نيو ساوث ويلز النسخة الثانية من المهرجان التراثي السنوي لجمعية برطلة، وسط حضور رسمي وشعبي واسع، عكـس عمق ارتبـاط الجاليــــة السريانية الآرامية في أستراليا بجذورها التاريخية وبلدتها الأم، برطلة، الواقعة شرق الموصل في شمال العراق, والمهرجان لم يكن مجرد مناسبة احتفالية، بل كان فعلاً ثقافيًا واجتماعيًا نابضًا بالحياة، جسّد الهوية البرطلية بألوانها وتفاصيلها. فمن خلال مشاهد حيّة مبهرة، استطاع المنظمون أن ينقلوا الحضور في رحلة إلى قلب برطلة، حيث الحياة الريفية اليومية، ودفء البيوت، وروح التقاليد الأصيلة.
وتنقّل الزوار بين مشاهد تمثيلية أعادت تفاصيل الحياة البرطلية، مثل مشهد الزراعة، وعمل النساء في إعداد «خبز الرقاق» في التنور، وحرفيي البلدة وهم يحيكون الأقمشة ويفصّلون الملابس، وصولًا إلى نموذج مصغّر عن البيت البرطلي بكل ما فيه من دفء إيماني وعراقة تقليدية. كما لفت الأنظار نموذج «الجايخانة» (المقهى الشعبي)، حيث اجتمع رجال يرتدون الزي التقليدي لاحتساء الشاي ولعب الألعاب الشعبية، في مشهد أثار الحنين لدى الكثيرين, كما تميّز المهرجان أيضًا بعرض أعمال يدوية أبدعها أبناء وبنات برطلة، مزجت بين الحرف التقليدية والابتكار العصري. وامتد الإبداع إلى فقرة الطعام، حيث قدّمت أمهات البلدة أكثر من 40 صنفا من الأكلات التراثية مجانًا، كعربون محبة وكرم ضيافة يعكس طبيعة المجتمع البرطلي, وعزفت فرقة الفنون الشعبية أنغام الطبل والزرنة، مقدّمة لوحات فلكلورية من الدبكات والرقصات المستلهمة من أغاني برطلة التراثية، بملابسها الملوّنة ذات النقوش الدينية والثقافية. كما ارتدى الحضور، كبارًا وصغارًا، أزياء تقليدية خيط بعضها في العراق، وبعضها الآخر خُيط محليًا في أستراليا، في تأكيد على التمسك بالهوية رغم البعد الجغرافي.
واختُتم المهرجان بجولة في معرض الصور القديمة والمقتنيات التراثية، حيث أتيحت للزوار فرصة استكشاف المزيد من تاريخ بلدتهم، وسط أجواء من التأثر والفخر, وأثبتت جمعية برطلة، مرة أخرى، أنّ الفعاليات الثقافية ليست مجرد احتفاء بالماضي، بل هي احتفاء بالحياة والهوية والانتماء. ونجحت في تحويل مهرجانها إلى منصة حقيقية للتواصل بين الأجيال، وتعزيز التراث كجزء لا يتجزأ من حضارة بلاد ما بين النهرين، التي ما زالت تنبض رغم التهجير والغربة.