ولي عراقٌ وضوءٌ
وجيه عباس
الحرفُ رمحي، وهذا الظِلُّ سيّافُ
ووردتي قَلَقٌ فيها، وصفصافُ
وَدُرَّتي وَجَعي أنّى أطوفُ به
يعودُ لي، وهو في الحالين طوّافُ
وكانَ لي وَطَنٌ يدنو ويقطِفُني
وإنْ نأيتُ تراءى وهو قطّافُ
حملتُهُ حدَّ أكتافي بهِ هَدَلتْ
ولاتزالُ كعهدي فيه أكتافُ
مشوا عليهِ حفاةٌ والخِفافُ دمٌ
لو كان يشهدُ في الأقدامِ خَفّافُ
لو أنَّهُ صدَّقَ الأسماعَ واقفةً
لقامَ يخطبُ دون الناسِ سَيّافُ
مازال»حاتمُ» رغم الجودِ مُتَّهَماً
والشاهدون عليه اليوم أضيافُ!
*****
لبعضِ خطوِكَ هذا الظِلُّ يبحرُ بي
فالبحرُ لي لُغَةٌ والحرفُ أصدافُ
وكلُّ قافيةٍ معنى يغازِلُني
وإنَّ بيدَكَ في الناقوسِ إيلافُ
غزلتُ معناكَ حتى كاد يشرقُني
كأنَّني في عُبابِ اليمِّ مجدافُ
فرداً أتيتُ فألقاني على ضِفَةٍ
وحدي، فما وسعتني فيه أجرافُ
وحدي تلملِمُني بُقيا دفاترِها
وقد علمتِ بأنِّي فيكِ صحّافُ
أتلوكِ في الغيبِ من آياتِها عَجَباً
لا أدَّعيكِ، ولكنَّ الورى خافوا
تهجَّدي يايماماتي فأغنيتي
في مسمعِ الدهرِ أطيافٌ وأطيافُ
وأنتِ لا شَفَةٌ تُغني بقائِلِها
في أنْ يقولَكِ تعريضٌ وإجحافُ
وإنَّكِ الأمسُ لا يومي وليس غدٌ
لكنَّ طيبَكِ بين الناس أعرافُ
*****
كوني كما أنتِ لاتهديكِ عاصفةٌ
طويتِ جُنحَكِ فيهِا فهو مضيافُ
لا ألفينَّكِ فرطَ الحزنِ ثاكلةً
وملءُ عِطفيكِ أنّى شئتِ أعطافُ
يكفيكِ أنْ ولَّتِ الدنيا على أَثَرٍ
ومنكِ فيهِ مزاميرٌ وعزّافُ
وإنَّكِ الصوتُ في صمتِ القبورِ بها
يكفيكِ وحدَكِ في المقياسِ إنصافُ
ألا يرونَكِ فالأصنامُ أجلافُ
ودونَهُمْ أنتِ في الأبصارِ شفّافُ
*****
طوفي على حَرَمِكْ
كونيهِ في أَلَمِكْ
الخيرُ في قَدَمِكْ
والشعرُ ضيّافُ
مُدِّي يديكِ إليهِ وارجعي خَبَباً
حتى زمانُكِ فرطَ الهُوْنِ أوقافُ
ولا المكانُ، وكلُّ الأرضِ واسعةٌ
لكنَّ شبْرَكِ دون الأرضِ صرّافُ
يا أنتِ من قَبَضَتْ رؤياكِ أخيلةً
تُنمى إليكِ فشيطانٌ وعرّافُ
وألفُ وجهٍ تَغشَّتهُ رؤاكِ به
حتى كأنَّكِ في الديجورِ كشّافُ
كوني ملائكةً فالأرضُ أرجفَها
أنَّ الشجاعَ بها وغدٌ وخوّافُ
وليسَ يوسِعُهُ فيها منازلةً
في أنْ تُدثِّرُهُ في الخوفِ أصوافُ
دريئةً لستِ منها تتَّقين بها
في أن يقولَكِ فيها الآن أشرافُ
لكنَّما النفسُ أنْ تُغري القِطافَ بها
حتى كأنَّكَ منذ البدء إيقافُ
*****
أقولُ للنفسِ محرابٌ وأدعيةٌ
أولى بما أنتِ في الأذكارِ يندافُ
وإنَّ كأسَكِ ما أترعتِ شاربَها
حتى ليتلو الفراتَ الغضَّ غرّافُ
إنّي لأبصرُ في ناياتِها قَصَباً
له الجنوبُ أبٌ حُرٌّ وأريافُ
حملتُ وجهَ جدودٍ غاب واندَثَرتْ
معالمٌ فيه بين الناس تنعافُ
إنِّي لأبحثُ عن معناي في زَمَنٍ
الجهلُ فيهِ خرافاتٌ وإرجافُ
لكنَّما قَدَري أنْ خالَفَتْ طُرُقي
حتى الوجودُ بهم في العيشِ إسرافُ
الدافعون بها خيراً يُرادُ بهم
والقاسطونَ بظلمٍ كلَّما طافوا
والقانعون بذلِّ النفس يقنعُهُم
تَذَللاً أنَّهم في العيش أجوافُ
*****
وياكبيراً على الشكوى ينادِمُها
بالصبرِ حتى كَأنَّ الهمَّ أُلّافُ
لم يتَّضِعْ لشكاةٍ كلَّما احتدمتْ
كأنَّهُ الذئبُ والباقون أخرافُ
كَأنَّهُ أطعمَ الحُسّادَ من جَسَدٍ
ولحمُهُ بين ناب الحقدِ نزّافُ
رُعياً لرحمٍ نمتْ فيهِ أصابِعُهُ
فلا تُمَدُّ له في الثأر أطرافُ
ولا يردُّ به سوءاتِ من جَهِلوا
سِيّان فيهِ إذا دانوا وإنْ عافوا
أثقلتَ وطْأَكَ فيما خفَّ من زَلَلٍ
حتى كأنَّك فيما كنتَ ألفافُ
وإنَّكَ الضَخْمُ لم تقنعْ بسائبةٍ
عَوَتْ عليك، وبعضُ الظلمِ إعسافُ
وَتَدَّريها، كأنَّ الغيبَ أعلمَهُ
بأنَّ يوميه فرط العميِ خَطّافُ
وكان يرضيهِ منها أنَّها قَلَقٌ
وإنَّهُ قيد مايرضاهُ رعّافُ
وتلك تزكيةٌ أبقى لها جَسَداً
تَحمَّلَ السوء فيها وهو عيّافُ
لو أنَّهُ نطقت رؤياهُ لانسربتْ
من بعضِ إصبعهِ الخلّاقِ أقطافُ
لقام يرقصُ في عينيه أو دمِهِ
من لو تراقصَ لم تُعْجِزْهُ أردافُ
لكنَّما وثقتْ كفّاهُ أنَّ غداً
لِما تَقوَّلَهُ في الغيبِ إتحافُ
سَيَدَّعون بدعوى لا قرارَ لها
في أنَّ مثلبة الأقوام إردافُ
وإنَّهمْ بَشَرٌ غالوا بما جَهِلوا
وبعضُ ما يتَّقي الجُهّالَ آلافُ
*****
ولي عراقٌ وضوءٌ والصلاةُ دمٌ
فيها الأبوَّةُ والأبناءُ أسلافُ
غاضت محاريبُنا بالماء وانطفَأَتْ
مابينها سُرُجٌ فيها وتطوافُ
ولمْ نزَلْ نتملّاها على حَنَقٍ
يسومُنا في صلاة الفجر إخلافُ
بل كانَ سقياهُ في الإسراءِ مِدْرَعَةٌ
يخيطُها بيديه وهو خزّافُ
وللدموع سقاياتٌ سنتلِفُها
كأنَّ كل مَسيلٍ فيهِ إتلافُ
كُنّا بها أُمناءً في ضلالتِها
كأنَّنا وسوادُ الليل أحلافُ
جئنا ونرجعُ لم نكتبْ روايتَهُ
كأَنَّنا لم نكنْ والموتُ زحّافُ
وأردفتنا بُغاةٌ لم تجدْ أَحَداً
فيها سوانا، وأنَّ الموت ردّافُ
همْ أوقفونا وقالوا أنَّنا سُبُلٌ
لوكان يصدقُ فيما قالَ وقّافُ
وللعراقِ فمٌ كُنّاهُ ألسنةً
فلايكونُ سواهُ فيهِ من وافوا
لكنَّهُ وَطَنٌ أغرى بما عافوا
فكانَ سيفاً وإنّا فيه أسيافُ
لكنَّهُ ثَلَمَ الأرواح فاصطفقتْ
كأساتُهُ وظِمانا فيه تلّافُ
*****
اللوحةُ الشعرُ إنِّي من يُؤثِّثُها
وخضرةُ الروحِ في الألوان تنضافُ
وللخطوطِ جناحاتٌ، وأرشقُها
دمي المسيلُ عليها فهو رفرافُ
سأوقظُ الأحمرَ المجنون أسكبُهُ
روحي بياضٌ وهذا اللونُ إتحافُ
أُنَقِّطُ الوطنَ الغافي وأوقظُهُ
فاللونُ في خَرَسِ اللوحاتِ هتّافُ
قُماشَةُ الكَفَنِ المبيضِّ راحلتي
واللونُ مائدتي والريشُ أكنافُ
هبني سأقترحُ الألوانَ أمطرُها
فمن يرى؟ وعيونُ الناسِ أخلافُ
هبني سأوْصِفُها للعُميِ تلمسُها
فيهم أياديك والمرساةُ أطوافُ
فمن يراني وكُلِّي غيمةٌ وندىً
وَهُم يباسٌ تجلّاها وأحقافُ
وياعراقَ فمي إنّي أُردِّدُهُ
وهو الأصمُّ بها في السمع ضعّافُ
حملتُ وردَتَكَ الحمراء في مُقَلي
وأنت فيها على الحالين قذّافُ
ولستُ مُتَّهِماً إياكَ، حسبُ دمي
إنَّ العراقَ به في القلبِ إرهافُ
لكنَّني وأبيكَ الضخمِ أنكرَني
فيكَ العقوقُ لمن عقوا ومن كافوا
حملتُ ماضيك حتى ماانحنتْ عَمَدٌ
إلا وأنتَ عليها اليوم وقّافُ
سَأُشْهِدُ الجسدَ الفاني على وَطَنٍ
بأنَّ كُلَّكَ رغم العشق أضعافُ
وللقلوب شهاداتٌ ستنطقُها
بأنَّ وحيَكَ في الأوهام أوصافُ
لكنَّما الفكرُ لم تحسن صنائِعُهُ
وعاد جهلاً إليها وهو يصطافُ