الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في كتاب العامية العراقية لعباس العزاوي

بواسطة azzaman

قراءة في كتاب العامية العراقية لعباس العزاوي

الأمثال والكنى الدينية وسيلة البغداديين للتعبير عن هموم الواقع وقلق المستقبل

عمر علي حيدر

 

لكل مثل قصة

للأمثال والكنايات ذات المنحى الديني أهمية كبيرة في حياة البغداديين خاصة والعراقيين عامة، وهم يضربونها في المناسبات التي تستدعي ذلك في المواقف التي يمرون بها في حياتهم اليومية، بعضها طريف، وبعضها الآخر عميق معبر، ويوجد فيها ما ظاهره (كفر) حسب الشريعة الإسلامية لكن باطنه غير ذلك، وهذه هي ميزة المثل والكناية، أنهما يختصران الكثير بكلمات موجزة دقيقة، ومعانٍ قد تكون مباشرة، أو تخرج من تحت ستار التورية التي يفهمها الناس جميعاً تخفيفاً لوطأة المثل في النفوس، وتأثيره في الأسماع.

ولا شك أن لكل مثل قصة، وأصل خرجت منه، لكن من عجائب التدوين أنه سجل المثل وقصته، ولم يسجل الأصل الذي انبثق منه إلا قليلاً لتعذر ذلك بالفعل، وبسبب عوامل قد تكون ثقافية، أو سياسية، أو دينية، أو مجتمعية تلتحف بغطاء سميك من العادات والتقاليد والقيم التي يشكل (العيب) فيها مرادفاً (للحرام) شرعاً، أو ربما أكبر.

وقد استهونتي الأمثال والكنى الدينية منذ زمن، فرحت أنقب عنها، وأجمعها، وأدرسها، وخرجت منها ذات مرة ببحث أحسبه وضع النقاط على الحروف في جانب من طبيعة المجتمع العراقي الدينية، ونشر هذا البحث في مجلة التراث الشعبي تحت عنوان (الأمثال والكنى الدينية في الثقافة الشعبية البغدادية) مستعيناً بعد الله سبحانه بمجموعة من أهم المصادر في هذا الباب، كتبها مؤلفون بارعون هم شيخنا جلال الحنفي، والأستاذ عبود الشالجي المحامي، والمرحوم العميد عبد الرحمن التكريتي، رحمهم الله أجمعين، وغيرهم.

أمثال العزاوي العامية

وبعد ما لا يقل عن سنة من نشر البحث المذكور، وقع بين يدي كتاب ذات صلة بالأمثال البغدادية عنوانه: (الأمثال العامية في العراق)، وهو للمرحوم الفذ الأستاذ عباس محمد العزاوي (1307هـ - 1391هـ / 1890 م - 1971م)، ومن ترتيب عامر رشيد السامرائي، وقد طبعته وزارة الثقافة طبعة ثانية في العام 2012م، وبالرقم 34 ضمن سلسلة معاجم وموسوعات.

وعلى الرغم من مضي 13 عاماً على إصداره إلا أني لم أحصل عليه قبل هذه المدة لبعدي عن العراق من جهة، ولكونه من النوادر والمفقودات التي عجزت حتى حيتان شارع المتنبي عن توفيرها لي من جهة أخرى، وتطبيقاً للمثل البغدادي القائل: (صاحبك حلو لا تاكله كله) ولحيائي من طلب المزيد من الكتب التراثية من أستاذي البروفيسور طه جزاع حفظه الله الذي كان يوفرها لي ويتجشم إرسالها من بغداد إلى الإمارات وهو لا يريد مني جزاء، ولا يرتجي شكوراً.

وها هو الكتاب يصل أخيراً، فانكببت على قراءته فور وصوله، فوجدت فيه الظريف واللطيف والخفيف والمخيف!، ثم وجدتني أحصي ما فيه من الأمثال والكنى الدينية، لأضمها في بحث جديد، قد يضيء مساحة أخرى من حياة البغداديين والعراقيين الإجتماعية.

وقد قمت بتصنيف الأمثال والكنى الدينية الورادة في كتاب الأستاذ العزاوي ضمن ثماني أسس هي على التوالي:

أولاً

الأمثال المتعلقة بالقرآن الكريم والحديث الشريف

وهي أمثال مستمدة بشكل مباشر من النصوص القرآنية والحديثية، أطلقها البغدادي لأمور عدة، منها ما ينطبق مع مضمون النص القرآني أو النبوي، ومنها ما يعبر عن دلالة أخرى رأى أن الآية أو الحديث يشيران إليها من قريب أو ربما من بعيد، مثل:

عفا الله عما سلف: في الحث على الاخذ بالعفو ونسيان ما مضى.

ألهاكم التكاثر: في انشغال الناس بكثرة النسل بدلاً من طلب المجد

الله أرحم الراحمين: في الاستكانة لله وطلب رحمته

إنما الاعمال بالنيات: في أهمية دخائل النفس

إن مع العسر يسرا: في عدم الركون الى اليأس عند الشدائد

الفتنة أشد من القتل: في التحذير من السعي بالنميمة بين الناس

الفتنة نائمة ولعن الله موقظها: في الحث على عدم إثارة البغض والكره بين الناس والسعي في نشر المحبة والوئام

ماكلف الله نفساً إلا وسعها

نور على نور : في الخير يتضاعف، أو في مباركة عمل ما

نومة أَهل الكهف: في النوم العميق لساعات طويلة

وأمرهم شورى بينهم: في الحث على التشاور

ولا يحيق المكر السيء الا بأهله: في العمل السيء يعود أثره على فاعله

لا تيأسوا من رحمة الله: في التعلق برحمة الله ونبذ اليأس

لاحول ولا قوة الا بالله: يقال عند الجزع

الصلح خير: في الحث على الآخذ بالصلح

لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين: في عدم الوقوع فريسة محتال مرتين

الحياء شعبة من الايمان: في مدح الحياء

مَا خَابِ مَن إِسْتَشَارِ: في الحث على الاستشارة لفائدتها

كل من يگول ياروحي بس محمد يكول يا أمتي: في اهتمام الناس بانفسهم عدا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي اهتم بأمته

لكل داء دواء: في أن لكل علة علاجاً، قلت: وهو إشارة لحديث نبوي شريف يقول: (ما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه دواء).

ثانياً

الأمثال والكنى المتعلقة بصفاته سبحانه جل في علاه

وللبغدادي في هذا طائفة عريضة من الكنى والأمثال، لا يخفى على المتأمل فيها ما يظهر من شظف العيش، وقسوة الظروف، والدعوة إلى السعي لطلب الرزق، واللجوء في كل ذلك إليه سبحانه، كي يخفف الأحمال، ويعين على المظالم والأهوال، ومنها:

الله ما يخلي حمل مطروح: في أن الله يعين المحتاجين للمساعدة

الله ما يدَنْدِل بزنبيل: في ضرورة الكدح من أجل العيش بدلاً من الاتكال على لطف الله

الله ما سَاوَه خَلْقَه: في أن الناس يختلفون في الخلقة والأخلاق والأرزاق

الله مَنْشَاف بالعين إنْعِرَف بالعَقِل: في أهمية العقل والاحتكام اليه

الله مايطبُكَ حَجَرين: في ان الله لا يسد أبواب رحمته ورزقه

الله ما ينْسَى عَبْدَه : في الاعتراف بلطف الخالق على عباده

الله يرزق الهايم والنايم: في أن رزق الله يعم الكل

الله يعين الصادج: في الحث على الصدق وأن الله يعين من يلتزم به

الله يَمْهِلْ مَا يَهْمِلْ: في الظالم لابد أن ينال عقوبته

الله ينجي الناجي ويعثر ابن الزنا: في من يَُّتهم وهو بريء، يكل أمره إلى الخالق

الله ينطي كُلِّ مَنْ على نِيتَه: في أن النيات الصافية تحظى برضا الله وكرمه

الله واحد وكلامه واحد: في الحث على الوفاء بالالتزامات والوعود

الله وصه بالجار: أوصى بضرورة احترام الجار ومعاملته بالخير

الكاتبه الله يصير: في التهوين من المصائب بارجاعها الى مشيئة الخالق

اليتوكل على الله ما يخيب: في نجاح المتوكل على الله

الْيِنْدِبْ الله ما يخيب: في ضرورة الاعتماد على الله والاستنجاد به

ثالثاً

الأمثال والكنى المتعلقة بالألقاب الدينية

وذلك على غرار الإمام، والشيخ، والملا، والسيد، والقس، وما دار في هذا الفلك، مثل:

الإِمَامِ الْمَا يشَوَّر يسمّونَه أَبو الخِرَكَ: في الشخص يستهين به الاخرون ان لم تظهر منه علامات قوة وسيطرة

چِفْيَان شَر ملا عليوي: في العمل يؤديه الشخص مرغماً فيكون اداؤه رديئاً

خوجه علي ملا علي: في الاشياء المتشابهة وان اختلفت أسماؤها

كل يوم يا ملا وجهك اصفر: في التذكير المستمر بأمر مزعج والالحاح في ذلك

مِدَحْنا القس خِرَه بالبيعة: في الشخص تظن به خيراً فيفعل القبائح

رابعاً

الأمثال والكنى ذات الظاهر المخالف للشريعة

الكُفْرِ بمَحَلَّه عُبَادَه: في الكلام المستقبح لا يُستهجن احياناً إن قيل في الوقت المناسب

الله يخلق ومحمد يبتلي (يبتلي): يقوله المتبرم من الشخص الغبي والشرير

لو يصير كَعْبَة ما زَورَه: في الاصرار على عدم زيارة شخص أو مكان معين

رِجِل بالشيطان ورجل بالرحمن: في المتردد بين الهداية والضلالة

خامساً

الأمثال والكنى المتعلقة بالعمائم

ثور مُعَمَّمْ: في من وضع العمامة على رأسه مدعياً بأنه من أهل العلم والمعرفة وهو غبي وجاهل

لا تغرك العمايم أَكْثَرَ الْرَكَي فطير: أقول في شرحه: يضرب لمنع الانخداع بمظهر الانسان ما لم يظهر على حقيقته من خير أو شر

سادساً

الأمثال والكنى المتعلقة بقواعد فقهية أو شعائر اسلامية

اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وانْ أفتاكَ الْمُفتون: في الرجوع إلى ما يراه الانسان شخصياً حول الخطأ والصواب، والحث على الاعتماد على النفس إذ يعتقدون أن قلب الحر يعلم فهو دليله ومستشاره.

الصَدَقَة تِمْنَعِ الْبَلا وتزيد العُمرُ : في الحث على إعطاء الصدقات

الصلح سيد الاحكام: في نبذ الخلاف والركون إلى الصلح

الضرورات تبيح المحضورات: في إباحة ارتكاب المحضور عند الضرورة

الفتوى طبق السؤال: في أن الفتاوى تكون على قدر السؤال

لا أَعْتِرَاضٍ على حُكْمِه: في التسليم بقضاء الله وحكمه

لا أَعْلَم نُصَّ الْعِلِم: في تواضع العالم وان قوله : لا أعلم، يعادل نصف العلم

المؤمن مبتلى: في مواساة من يصاب بمصيبة

حي على الفلاح: في الحث على العمل المحمود

سابعاً

الأمثال والكنى المتعلقة بالجوامع والصلوات

جَامِع بغَيرِ طَهَارَة: في المكان الجميل ينقصه مرفق مهم يجب توفره فيه

جامع الْلُكْمَانِيَةً: في الدار تخلو من الاثاث والمؤونة، قلت: أي كأنها جامع

حَصرَةِ الْجَلِبِ بِالْجَامع: في من يحاط به فلا يستطيع الإفلات من الأذى

رُكِعْتَين بغير وضو: في أداء طقس ديني ناقص

صلاة الطوبجية لا فرض ولانية كله من خوف الداخلية: (الطوبجية) المسؤولون عن إطلاق المدفع وكان يسمى (طوب)، (الداخلية) وزارة الداخلية في الصلاة تؤدى بدافع الخوف لا بدافع الايمان

صلى الله على الحاضر: يضرب في الانتفاع مما هو حاضر ومهيأ دون انتظار لغيره

لابس الجامع ومطلع إيده من الروازين: في وصف المعدم

الیبوگ المنارة يحضّر غلافها، والمنارة من متعلقات الجوامع، (غلافها) المكان الذي ستخبأ فيه

ثامناً

الأمثال والكنى المتعلقة بأسماء ومظاهر دينية

الله على العايل: في الدعاء من الله أن ينتقم من المعتدي

تَعالوا على الاسلام نبكي ونِنْتحَب: في الأمر يستوجب الحزن الشديد

خوذ الْحَفْنَة من اللحية العَفْنَة: في اغتنام القليل من البخلاء

طاب عيشك يا رسول الله : يقال عند هبوب النسيم العليل بعد ركوده

لكل فرعون موسى: في أن لكل ظالم من يقهره

مهر سليمان بن داود: في الشيء يذكر وليس له وجود

كل لحية ولها مشط: في معاملة الناس كل حسب مكانته في المجتمع

كملت السبحة: في حضور شخص كأن الاجتماع بدونه ناقص وقد يقال للدعابة أو السخرية

جولة ونتائج

وبعد هذه الجولة في كتاب أمثال العزاوي العامية نتوصل إلى عدد من النتائج التي أجملها فيما يأتي:

أن الدين حاضر بقوة في حياة البغداديين، والالتزام به حتم، ومخالفته جرم.

أن المزاج العام للبغدادي في المثل الديني يعكس حال المجتمع، ونمط تفكيره، وأسلوب تعامله مع قضاياه اليومية.

المتأمل في المثل الديني يرى بوضوح ما كان يعانيه البغدادي من شظف العيش، وقسوة الظروف، والشكوى من الظلم، والإلتجاء إليه سبحانه لكشف الكروب، وإصلاح العطوب، وستر العيوب.

أن إكرام البغدادي للدين لا يشمل حاملي الألقاب الدينية إلا إذا بروا وصدقوا وأصلحوا.

لا يراد من الأمثلة البغدادية المخالفة لظاهر الشريعة حقيقتها، وإنما ما ترمي إليه من إصرار على موقف، أو توجيه لنقد، أو إرشاد لضال، أو استهجان لتصرف.

إن الثقافة الحالية -بكل مقوماتها- عجزت عن تقديم إنموذج يحاكي الأمثال والكنى البغدادية، ويستجيب لذائقة المجتمع العراقي والبغدادي، الأمر الذي يفسر الحاجة المستمرة لها في حياة الناس.

إن عامة الكنى والأمثال البغدادية الدينية وغير الدينية (المدونة) يعود أقربها تاريخياً لنحو قرن من الزمان، وتعذر تدوين أمثلة وكنى جديدة منذ منتصف القرن الماضي إلى يومنا هذا، وللأسباب حديث وشجون.

إن إقبال الأجيال -لا سيما الجديدة- على اقتناء كتب الأمثال وقراءتها، أو نشرها على وسائل التواصل، أو بثها ضمن البرامج التلفزيونية والإذاعية، أو تداولها في المجالس العامة هو علامة صحة تؤكد أهميتها الثقافية، وحاجتها المتكررة للتفاعل مع الواقع، ودورها المؤثر في الثقافة المعاصرة، وأن الاهتمام بها من أهم مقومات التمسك بالهوية، والاعتزاز بالتراث، والفخر بالأجيال.

 


مشاهدات 90
الكاتب عمر علي حيدر
أضيف 2025/06/28 - 12:31 AM
آخر تحديث 2025/06/28 - 6:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 170 الشهر 17197 الكلي 11151851
الوقت الآن
السبت 2025/6/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير