الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإعلامي والرسالة الوطنية ودورهما في تعزيز العلاقات الدبلوماسية

بواسطة azzaman

الإعلامي والرسالة الوطنية ودورهما في تعزيز العلاقات الدبلوماسية

عصام البرّام

 

يلعب الإعلام والإعلاميون دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدول ونقل الرسالة الوطنية إلى الشعوب الأخرى، خاصة من خلال البعثات الخارجية للدول. فالإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات، بل تحول إلى أداة استراتيجية تستخدمها الدول للتأثير في الرأي العام العالمي، وبناء صورة ذهنية إيجابية عن سياساتها وثقافتها وتوجهاتها.

في هذا السياق، يصبح الإعلامي الذي يعمل ضمن البعثة الدبلوماسية أكثر من مجرد ناقل للخبر، بل يُعدّ بمثابة سفير ثقافي وفكري.

جمهور مستهدف

فهو يمتلك القدرة على ترجمة مواقف بلاده بلغة يفهمها الآخر، وتقديمها في سياق يراعي الحساسيات الثقافية والسياسية للجمهور المستهدف. كما يسهم في إبراز ما تتميز به بلاده من تطور وإنجازات حضارية، ويساعد على خلق جسور من الفهم والتقارب مع المجتمعات الأخرى. والإعلام الخارجي الفعال يُعزز من أدوات القوة الناعمة للدولة، ويعمل على دعم مواقفها في المحافل الدولية من خلال تشكيل رأي عام عالمي متفهم ومتعاطف. وهذا الدور لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إعلاميين محترفين يمتلكون الوعي السياسي والمعرفة الدبلوماسية والقدرة على التواصل بين الثقافات.

علاوة على ذلك، يسهم الإعلامي في البعثة الخارجية في مواجهة الحملات الدعائية المضادة أو الصور النمطية السلبية التي قد تُرسم عن بلاده في الخارج، من خلال تقديم سردية وطنية تعتمد على الحقائق والشفافية واللغة الإنسانية المشتركة، في زمن أصبح فيه الإعلام الرقمي أداة اتصال لا تعرف الحدود، وهنا تزداد أهمية الإعلاميين في المهام الدبلوماسية، حيث يمكن لتغريدة أو مقطع فيديو أن تُحدث تأثيرًا يتجاوز أثر خطاب سياسي تقليدي. ولهذا السبب، تتزايد الحاجة إلى تنسيق وثيق بين المؤسسات الدبلوماسية والإعلامية لضمان إيصال الرسالة الوطنية بفعالية ومهنية تعكس هوية الدولة وقيّمها في آنٍ واحد. إن الإعلامي في البعثة الخارجية ليس فقط عين الدولة وأذنها، بل هو أيضًا صوتها الذي يعبر عنها ويُعرّف بها أمام العالم.

بين السياسة والإعلام والدبلوماسية

ففي عالمنا المعاصر الذي تزداد فيه التحديات وتتشابك فيه المصالح الدولية، لم تعد الدبلوماسية مقتصرة على اللقاءات الرسمية والحوارات المغلقة بين ممثلي الدول، بل أصبحت ساحة مفتوحة تتقاطع فيها السياسة مع الإعلام، حيث تُصاغ المواقف، وتُبنى التحالفات وتُشكّل الانطباعات من خلال الكلمة والصورة والخطاب الإعلامي المدروس. ومن هنا يتعاظم دور الإعلام والإعلامي في تعزيز العلاقات الدولية، لا سيما من خلال البعثات الخارجية التي تمثل الوجه الحضاري للدولة في الخارج.

إنّ الإعلام، بمختلف وسائله التقليدية والحديثة، أصبح أداة رئيسية من أدوات القوة الناعمة، وهو ما دفع العديد من الدول إلى إعادة صياغة استراتيجياتها الإعلامية الخارجية لتكون أكثر تأثيرًا واتساقًا مع سياستها الخارجية. فالإعلامي ضمن البعثة الخارجية لم يعد مجرد ناقل للحدث، بل أصبح عنصرًا فاعلًا في رسم صورة الدولة وشخصيتها على الصعيد الدولي. هو من ينقل القيم والثقافة والتقاليد الوطنية إلى شعوب العالم، ويسهم في بناء جسور من التفاهم المتبادل، ويعزز من مكانة الدولة في عيون الرأي العام الأجنبي.

ويُعد الإعلام الخارجي أيضًا مرآة لما يحدث في الدولة من تطورات سياسية واقتصادية وثقافية، إذ يعمل على إيصال هذه الصورة إلى الإعلام الدولي وإلى المؤسسات المؤثرة والجماهير في الدول المضيفة. كما يقوم بمهام تحليلية تهدف إلى فهم توجهات المجتمعات المستقبِلة واستباق ردود أفعالها، مما يتيح للدبلوماسيين وصناع القرار في الدولة اتخاذ مواقف مدروسة ومتوازنة.

كما تعدّ الرسالة الوطنية التي يحملها الإعلامي في الخارج تتطلب قدرًا كبيرًا من المسؤولية المهنية والوعي الثقافي والسياسي، فهي ليست مجرد شعارات تُردد، بل محتوى استراتيجي يجب أن يكون مصوغًا بلغة تتسم بالمرونة والدقة والقدرة على الإقناع.

فالخطاب الإعلامي الموجه إلى الداخل يختلف عن ذاك الموجه إلى الخارج، إذ يجب أن يراعي التباينات الحضارية والحساسيات الفكرية والثقافية المختلفة، وأن يُظهر احترامًا للخصوصيات المحلية دون التخلي عن المبادئ الأساسية للدولة المُمثلة.فضلاً عن، فأن العمل الإعلامي في البعثات الخارجية يتطلب تنسيقًا وثيقًا مع البعثة الدبلوماسية والسفارات، لأن الإعلام الخارجي لا يعمل في فراغ، بل في سياق سياسي ودبلوماسي منظّم ينبغي أن يُفهم بدقة. فنجاح الإعلامي في إيصال الرسالة الوطنية يعتمد إلى حد كبير على مدى انسجامه مع السياسات العامة للدولة، وعلى اطلاعه العميق بمواقفها من القضايا الإقليمية والدولية.

في هذا الإطار، تصبح المهارات التي يمتلكها الإعلامي أساسية، مثل قدرته على الحوار، ومهاراته في التفاوض غير المباشر، وقدرته على استخدام الأدوات الرقمية والتقنية الحديثة لنشر الرسائل المؤثرة. إذ نجد الإعلام في عصر العولمة ليس فقط في الصحف والشاشات، بل في المنصات الرقمية التي تُتابع في اللحظة وتُعيد تشكيل الرأي العام في غضون دقائق.

رواية وطنية

ولا يمكن إغفال دور الإعلاميين في أوقات الأزمات، إذ يتضاعف دورهم في مواجهة حملات التشويه أو المعلومات المضللة، وفي تقديم الرواية الوطنية بطريقة تتسم بالشفافية والمصداقية. وهنا تبرز أهمية وجود إعلام خارجي محترف قادر على التعامل مع الأزمات الإعلامية بثقة وكفاءة، ما يسهم في الحد من الآثار السلبية على صورة الدولة ومكانتها الدولية.ومن هنا ندرك، يمكن القول إن الإعلامي في البعثة الخارجية لم يعد مجرد مرفق مكمل للعمل الدبلوماسي، بل أصبح شريكًا أصيلًا في صياغة السياسة الخارجية للدولة والتأثير في علاقاتها الدولية. فبقدر ما يكون الإعلامي ملمًا بثقافة الآخر ومتفهمًا لحساسيته وقادرًا على التعبير عن موقف بلاده بلغة ناعمة وذكية، بقدر ما تنجح الدولة في بناء حضور فاعل ومؤثر في المسرح الدولي.

إن الإستثمار في الإعلام الخارجي وتطوير كوادره وتمكينهم من الأدوات المعرفية والتقنية الحديثة، يُعد اليوم ضرورة آستراتيجية لأي دولة تسعى إلى حماية مصالحها وتعزيز مكانتها في العالم، إذ لم يعد يكفي أن تكون الدولة قوية بمواردها، بل يجب أن تكون قادرة على رواية قصتها بذكاء وقوة وإقناع، بغية توصيل ما ترنو اليه، وتحقيق الاهداف المرجوة للسياسة الخارجية للدولة. فضلاً عن صياغتها وتقديمها بالطريقة التي تجعل الطرف الآخر أن يحملها على محمل الجدّ وبقناعة تامة، وهذا لن يتاتى إلا من خلال الخبرات والقدرات والدراسة الأكاديمية التي يقوم عليها مجموعة متعاونة بين القائم على الاتصال والشخصية الدبلوماسية التي تتمتع بروح التفاني من أجل القضية الوطنية للدولة.


مشاهدات 154
الكاتب عصام البرّام
أضيف 2025/06/04 - 3:49 PM
آخر تحديث 2025/06/06 - 1:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 258 الشهر 5142 الكلي 11139796
الوقت الآن
الجمعة 2025/6/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير