محشر الأفئدة للطاعة والدعاء من عرفات إلى المشعر ومِنى والبيت الحرام
موسى عبد شوجة
ما أجمل ..وأبهى.. ذلك المشهد واعظمه ...حينما ترى الافئدة...ندية تنبض بصدق كينونتها وعرفانها وانفاس حبها وولائها...وهي تفترش عرصة عرفات.. لتبوح وتعترف لخالقها....ومعبودها...ما ترسبت من ذنوب واثام ومعاصي في معين عمرها المنصرم تتضرع للباري عزوجل ان يفيض عليها من بحر رحمته ومغفرته ليغسل هذه الارواح المحتشدة بشعاع شمس عرفات من ادران تلك الخطايا...وان يغدق عليها سلسبيل الطاعة في الفعل والعمل ...وان يغمس هذه الارواح بالتقوى والهداية . نعم مناسك قدسية..تفوح من عبير واريج سناء التوحيد والتسليم لله الواحد الأحد ... نعم ارواح تخّضب مهجّها وفيض شوقها من ذلك البهاء...الممتد من سرادق العرش وسماواته...
نعم ...تطوف أرواحهم قبل اجسادهم حول ازكى واشرف واقدس بيت بالوجود ...لتغتسل بضياء هذا البيت ومسك حجره الأسود من ادران ترسبات الذنوب والمعاصي....فهي ضيوف أكرم مأتي....وغوث غياث المذنبين..وحبيب التوابين...ومجير الاجئين... وملجأ المؤمنين..
نعم اندمجت الارواح.....في صومعة العشق والخشوع...وهي تسعى بين الصفا .والمرؤه وسلسبيل بئر زمزم....
تعرج هذه الارواح لسفح جبل عرفات...لتعترف وتقر هذه النفوس وهذه الايادي والأرجل وكل الجوارح...بما اغترفت من ذنوب... ومعاصي امام ..معبودها وأمل رجائها ودعائها...لتغتنم ثمار عفوه ..وغفرانه...ورأفته..
واقفة بصلابة وشدة تقر اللعنة للجبت والطاغو ت ...مهلهلة لترجّم ..كل شيطان رجيم...معلنة البراءة من براثم اغواء ابليس وجنوده.
معصية كبيرة
ان الحج ركن من أركان الدين وتركه مع الاعتراف بثبوته معصية كبيرة كما إن إنكار أصل الفريضة قد يصل إلى الكفر.وقد روى عن الامام الحسين عليه السلام (من مات ولم يحج حجة الاسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً).
نعم الحج من أركان الإسلام المهمّة ومن أكبر العبادات الدينية والسياسية والاجتماعية، ذات المفاهيم والمدلولات الجليّه . حيث أشارت الايات القرآنيه وما روي من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الاطهار علی اهمية فريضة الحج وقيمتها واثرها في الفقه الإسلامي . وإنّ ثواب أدائها بشرطها وشروطها هي عظيمة لاتدركها عين او اذن..
كما أن العقوبات شديدة لمن يهمل او يستخف لاداء فريضة الحج .
لان جوهر هذه العبادة الإسلامية الكبرى لما تحمل من أسرار، وحكم، ومن فلسفة وهدف. يجب ان يدركه المسلم ويفهمه ...
وان فريضة الحج فرض عين لا كفايه.التي تستوجب على كل مسلم ان يؤدي هذه الفريضه من استطاع وتمكن
قال تعالى(( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.)) ولو نمحص فريضة الحج سنرى من أهم جوانب فلسفة الحجّ هو الجانب العرفاني، والذي يقصد منه معرفة مناسك الحجّ وآدابه المعنويّة المبتنية على الحقائق من خلال تهذيب النفوس وصقل شغاف الأفئدة، حتّى تكون مرايا صافية بزئبقها ورونقها وهي تجّسم الحقائق من دون التجشم للاستدلال عليها بالعقل والبراهين العقليّة، أو النقليّة والسمعية فمن يمحص فلسفة الحجّ من خلال هذه الرؤيا انما يستدل ان هناك حقيقة ناصعة مؤطرة بالمعارف والأسرار الخفيّة والألطاف الجليّة والتي تشير بوضوح لأنغماس الروح في تماميّة الحجّ العبادي والعرفاني والعملي. وحينما تزحف هذه السيول البشرية وتتوحد بوشاحها المتناظر الابيض الناصع مع قدسية المناسك وهي متوجهه الى خالقها معبّرة بفيض حبّها وعشقها السرمدي لخالقها....وبارئها وخيمة لطفه ورأفته.. ..صادحة حناجرها بأجمل كلمات التلبية ( لبيك اللهم لبيك..لبيك لا شريك لك لبيك..ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...لبيك) والاقرار بالعبودية المطلقه لله عز وجل ....لذا علينا أن نجرد فؤادنا من كل اثر وموطن لحبّ الدنيا ومعالمها الزائفه ولتبقى مساحة القلب يشغلها عشق سرمدي صادق لله الواحد الأحد وان نحرر النفوس من قيود وبراثم كل نفاق او رياء او معصية او جحود.