الدور الأمريكي الجديد في سوريا.. من العقوبات إلى الإنخراط المشروط
محمد علي الحيدري
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية رسميًا، مطلع أيار/مايو 2025، إطلاق المرحلة الأولى من رفع العقوبات عن سوريا، في ما يبدو أنه ترجمة عملية لتحوّل استراتيجي أوسع في السياسة الأميركية تجاه هذا البلد الذي مزقته الحرب. القرار، الذي جاء بعد مشاورات مع حلفاء إقليميين ودوليين، يعكس رؤية جديدة للإدارة الأميركية، قوامها الانتقال من سياسة العزلة القصوى إلى الانخراط المشروط، في محاولة لإعادة تموضع واشنطن داخل المعادلة السورية من بوابة إعادة الإعمار والتسويات الإقليمية.
انهيار نظام
هذا الانفتاح الأميركي لا يعني بأي حال تبني موقف تصالحي غير مشروط مع الحكومة السورية الانتقالية، بل هو أقرب إلى منح فرصة اختبار سياسي – بحدود مدروسة – لحكومة أحمد الشرع، التي تسلمت السلطة في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد، واستندت منذ البداية إلى تحالفات محلية وإقليمية معقدة. واشنطن أوضحت، في أكثر من تصريح، أن رفع العقوبات سيكون تدريجيًا، ويرتبط بسلوك الحكومة السورية في ملفات حيوية، من بينها تفكيك بقايا البنى الأمنية السابقة، ضمان مشاركة جميع المكونات السورية في المرحلة الانتقالية، وكبح النفوذ الإيراني داخل مفاصل الدولة الجديدة.من ناحية أخرى، لا يمكن فصل التحول الأميركي عن الديناميات الإقليمية الجارية. فقرار الولايات المتحدة ترافق مع إعلان مشترك من السعودية وقطر عن تقديم دعم مالي عاجل للقطاع العام السوري، وتمويل مشاريع بنية تحتية حيوية، من ضمنها مشروع ضخم للطاقة بمشاركة شركات أميركية. كما عاد الحديث عن احتمال إعادة دمشق إلى بعض مسارات السلام الإقليمية، وهو ما تراه واشنطن عنصرًا ضروريًا لإعادة التوازن إلى شرق المتوسط، خصوصًا في ظل انكفاء الدور الروسي المتأثر بانشغالات موسكو في أوكرانيا وتراجع حضورها المالي والدبلوماسي في المنطقة.
ورغم المؤشرات الإيجابية، تبقى التحديات كبيرة. فالحكومة السورية الانتقالية لا تزال تواجه انتقادات داخلية حيال بطء الإصلاحات، وضعف آليات المحاسبة، ووجود شخصيات غير مدنية من خلفيات عسكرية في مواقع القرار.
تساؤلات حقيقية
كما أن ملف المقاتلين الأجانب، الذين شاركوا في القتال ضد النظام السابق، يطرح تساؤلات حقيقية عن مدى قدرة الحكومة على احتوائهم دون الانزلاق في صراعات داخلية جديدة. الولايات المتحدة، بدورها، تشترط إبعاد هؤلاء من مواقع النفوذ، في خطوة تهدف إلى ضمان طابع مدني للحكم واستقرار طويل الأمد.في المحصلة، الدور الأميركي في سوريا آخذ في التشكل من جديد، لا بوصفه أداة عسكرية كما في العقد الماضي، بل كوسيط مشروط بين قوى الداخل ومصالح الخارج. لكنه دور هش بطبيعته، ويعتمد على التزام الأطراف السورية – لا سيما حكومة الشرع – بمسار إصلاحي حقيقي، لا شكلي. ما يجري اليوم ليس نهاية الأزمة السورية، بل ربما بداية محاولة لطي صفحتها، على أن يبقى نجاح هذا التحول رهين الإرادة السياسية للسوريين أولًا، وقدرة واشنطن على المواءمة بين أهدافها الاستراتيجية ومحدودية أدواتها ثانيًا.