معيار الجمال الذي لا يعلن.
طيبة مازن توفيق
قديمًا كانت اليونان تُبجل الجمال وتقَدس الوجوه المتناسقة، لكن ظهر سقراط بملامحه العادية وجسده البعيد عن كل معاييرهم الجمالية، وبالرغم من ذلك أصبح رمزًا للفلسفة، وذلك ليس بجمالهِ، بل بعقلهِ المُتفتح، الذي تحدّى به مجتمعًا يرفع من شأن الشَكل، وانتصر بالجمال الذي لا يُرى، والمتمثل بـ (العقل)، ففتح أبواب الفكر امامهم، وحررهم من عبودية الجمال إلى حرية السؤال. وهنا يكون سقراط قد انتصر للجمال العقلي، وربما يكون أول من تحدّى الصورة السطحية للجمال في وقتهِ.
لكن يبدو أن انتصارهُ لم يدم طويلًا، ففي عصرنا الحالي، نَعيش ضمن معايير محدده للجمال، فأول ماينظر إلى شاب تقدم للعمل، فيُنظر إلى ملامحهِ أولاً، لا إلى كفاءته. أو فتاة تطمحُ للعمل في الإعلام أو التسويق الإعلاني -مثلا-، فتُقيّم على أساس مدى (قبول الشاشة لوجهها)!.
أما في مواقع التواصل، تتزايد أعداد المتابعين بالقدر الذي تقترب ملامح الجمال إلى “النموذج المثالي” الذي صُنع من الترندات والفلاتر والمساحيق المتعددة. فهل في هذا الواقع (المصطنع) يكون معيار الجمال تمييز؟ أم ظُلم؟، لا حاجة للجواب؛ لأنها حقيقة نعيشها دون أن نتجرأ على الاعتراف بها بصوت عالٍ.
بهذا السياق، ذكر (نيتشه) في كتابهِ جينالوجيا الأخلاق:
“إذا قتلت صرصوراً فأنت بطل، أما إذا قتلت فراشة فأنت شرير. فحتى الأخلاق لها معايير جمالية.” وهنا تكمن المشكلة؛ إذ أصبح الجمال والمظهر معيارًا حتى في الأحكام الأخلاقية، الجميل يُعذر، يُسامَح، أما غير الجميل، فهو موضع شك، وسخرية، أو تجاهل، اننا نعيش اليوم في ضغط يتمثل بكيفية أن نصبح مثلهم»نسخ مكرره»! وأن نبدو كما يريد الآخرون، لا كما نحن.فالجمال ليس مشكلة بل هو نعمة، وطبيعة بشرية ننجذب لها، لكن المشكلة بدأت عندما تحول الجمال من ذوق إلى حكم، ومن إعجاب إلى معيارٍ للتقييم، ومن شعورٍ إلى شرط ضروري؛ صار الواقع يتخذه سبيلا للتعامل والتواصل والسلوك، وهذا ينذر بشر كثير غير معلن.