الثانية عشرة صباحاً
اميمة ابراهيم
مرض النوم هو مرض طفيلي يصيب الانسان وتنقله ذبابة التسي تسي التي تعيش في افريقيا فقط ( او هكذا ظن الباحثون) يصيب الجهاز العصبي المركزي ويتلف خلايا الدماغ . لكن في ضوء المؤشرات الحالية قد ظهرت سلالة جديدة من الذباب الذي لا يحتاج لأجنحة كي ينتقل بل يسري في الضوء الباهت للهاتف ويختبئ في مسام وسائل التواصل الاجتماعي ويندس في فراش كل شاب وشابة مستهدفا عقولهم قبل أجسادهم معطلا طاقاتهم سالبا ارادتهم وشغفهم للحياة ويتركهم في غيبوبة دائمة.هذا الوباء الجديد قد استشرى في كل دول العالم وخصوصا العالم العربي يبدأ على هيئة عادة بريئة في تأجيل النوم لساعة.. ثم لساعتين.. ثم يصبح الليل ميدان حياة بين تواصل واحاديث وضحك واكل وخدمات توصيل.. يُعرف علميا باسم تأخر طور النوم وهو خلل في التوقيت الطبيعي للنوم يجعل صاحبه غير قادر على النوم إلا في وقت متأخر جدا من الليل (أو حتى قبيل الفجر) مع شعور مزمن بالإرهاق وانخفاض واضح في التركيز والقدرة على الإنجاز .أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفرد أن النوم في أوقات غير منتظمة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في كيمياء الدماغ تشبه تلك المرتبطة بالاكتئاب والقلق. كما ربطت دراسات علمية اخرى بين تأخر النوم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسمنة واضطرابات المزاج، خاصة لدى الفئات العمرية ما بين 16 و30 عاما. وهكذا نجد ان العقل لا يخدع والجسد لا يهادن فكل ساعة تنتزع من النوم تكون على حساب رصيد التركيز والذاكرة والصحة النفسية وتآكل في صفاء التفكير، بل وإلى اختلالات في الجهاز العصبي شبيهة على نحو غريب بأعراض مرض النوم الأفريقي نفسه.الخطير في الأمر أن هذه الظاهرة أصبحت طبيعية اجتماعيا ننتقد فيها اولادنا واولاد غيرنا بسخرية مسلوبة وكأننا ايضا قد اصابنا ما اصاب شبابنا ولكن من نوع مختلف . لا بل تحوّل السهر إلى نمط حياة ثقافي تغذيه المنصات الرقمية والمحتوى المستمر بلا نهاية ولا رقابة لدرجة أن الصمت أصبح غريبا والليل لم يعد راحة بل مسرحا لحياة إلكترونية موازية اما النهار فيبدأ بالتعب وينتهي بالتشتت. وبين قلق على جيل يكاد يسرق منه نهاره دون أن يشعر نحن نحتاج إلى ما هو أبعد من النصائح العامة , نحتاج إلى اسرة تدرك أن تنظيم الوقت أهم من شراء هواتف حديثة ; وإعلام يسلط الضوء على خطورة المشكلة ; ومدارس تعيد برمجة وعي طلابها. إننا بحاجة إلى صحوة تعيد ترتيب ليلنا ونهارنا فالأمم لا تبنى على سهر العيون المغيبة بل على فجر تصحو فيه القلوب قبل الأجساد.