فن إدارة الدولة
خالد المعيني
لا يوجد تعريف موحد للدولة ، فقد تصدى عشرات المفكرين والأساتذة عبر التاريخ لوضع تصورات حول هذه الظاهرة ، الدولة من وجهة نظرنا ضرورة إجتماعية تؤطر قانونيا وتمتلك صفة وشخصية معنوية تميزها عن الأفراد ، تتمخض عنها أشكال من السلطة والسيادة محليا وخارجيا ، الهدف من قيامها حفظ حقوق الأفراد وتحديد واجباتهم ، وترسيم الحدود بعدالة بينهما ، وكذلك حقوق وواجبات الحكومة التي يختارها الشعب بإرادته ، لإدارة شؤونه والدفاع عن حقوقه وحرياته داخليا وخارجية .
قد تتخذ الدولة طبقا للمكان والزمان وحسب الظرف التاريخي والإجتماعي الذي إنبثقت عنه ، عدة أشكال من أنظمة الحكم السياسية الديمقراطية أو الديكتاتورية ، وللدولة عناصر أساسية لشرط قيامها ، كالسكان والإقليم والسلطة والسيادة .
وهناك فرق بين ( الدولة – السلطة ) ، وبين ( الدولة – الأمة ) ، في النموذج الثاني تكون عناصر الدولة قد إلتئمت وإنصهرت فيما بينها ونجح الساسة فيها من تحقيق العدالة الإجتماعية وتوحيد هوية مشتركة وتحويل الأفراد إلى مواطنين ، وإذابة فوارق وحواجز الثقافات الفرعية الدينية والقومية والقبلية لصالح الثقافة الوطنية .
من الجدير بالإشارة ، إن وادي الرافدين قد عرف منذ منذ آلاف السنين أقدم أشكال تنظيمات الدولة التي عرفها الإنسان في تاريخه القديم ، ولعل التجسيد والدليل الحقيقي لوجود نظام الدولة في العراق القديم ، هو دقة وشمولية ورقي منظومات القوانين والتشريعات التي تنظم حقوق وواجبات الأفراد والدولة من خلال المسلات وفي مقدمتها مسلة حمورابي الشهيرة .
مجلس الخدمة
في مدينة «أوروك» ( في القرن الثامن عشر قبل الميلاد ) ، وجد إلى جانب العاهل ، مجلسان ، أحدهما مجلس الكبار والثاني مجلس العامة وهو من الشباب المحاربين ، ومن خلال هذين المجلسين كانت تتخذ قرارات الحرب والسلام . كما إنه في الدولة الآشورية كان الملك أيضا مقيدا بمجالس التجار والعسكر ورجال الدين والمجالس العامة . تعد السياسة بمثابة فن ووسيلة إدارة شؤون الدولة ، لكننا عندما نفكر بمن يدير هذه الدولة ستتداخل لدينا مفاهيم متقاربة ما بين رجل السياسة الطاريء ورجل السلطة الموظف ، وما بين رجل الدولة الذي يعد الحلقة الأخطر والأكثر بقاءا وديمومة في عملية بناء وإدارة وإزدهار الدولة ، فمن هو رجل الدولة ( states man ) ؟
قد يكون من السهل ، أن يصبح شخصا ما سياسيا ، ولكن ليس بنفس السهولة أن يصبح رجل دولة ، رجل الدولة محصلة وإستحقاق لمجموعة عناصر وتفاعلات ينجم عنها طراز خاص جدا ونادر من القادة ، الذين يمكن أن يطلق عليهم إعتباريا أو مجازا « رجال دولة « ، فهذا الوصف لا يمكن أن يحظى به شخص من خلال حيازته لمنصب ما ، أو يمنح له من خلال مرسوم هو نوع من وسام إستحقاق ذاتي .
أحيانا ، هناك رجال دولة ذوي قدرات تحويلية هائلة ، تمنع دون إنجازاتهم ، ظروف وطبيعة الأغطية الثقيلة في الأنظمة السياسية والإدارية التي تحول دون ألمعيتهم وتفجير طاقاتهم الخلاقة ، في حين تلعب الصدفة في إتاحة الفرصة لرجال دولة مغمورين من لعب أدوار عظيمة في ظل ظروف إستثنائية ، ومما لاشك فيه إن إحتمالية بروز رجال الدولة في ظل الأنظمة الديكتاتورية أو الفاسدة تتقلص مقارنة بالأنظمة الديمقراطية والمفتوحة .
يمكن التقرب من تعريف «رجل الدولة « ، بأنه الشخص الذي تتجسد في شخصيته ثنائية الفكرة والقدرة على تطبيقها ، كما إن معيار رجل الدولة يتحدد في ضوء قدرته عند تسنمه المسؤولية على إحداث إنتقالة نوعية وفق رؤية خلاقة ، من حال إلى حال ، كأن ينهض في بناء دولة على أنقاض خراب وتردي وفوضى أو ينهض بأعباء مؤسسة فينتقل بها من براثن الفشل الى آفاق النجاح والإزدهار .
وهناك مقدمات ومقتربات لابد منها لظهور رجال دولة منها ، عدم إمكانية وجود رجال دولة خارج مؤسسات الدولة نفسها ، كما إن الشريحة المؤهلة لإمكانية ظهور مثل هذه النخبة النادرة (الرجال – القادة ) هي شريحة الطبقة الوسطى ، بسبب توافر عدة خصائص ومؤهلات مادية ومعنوية وفكرية ، يمكن أن تشكل أرضية وتربة خصبة لنمو وإنطلاق مواهب وطفرات رجال الدولة .
رجال الدولة
كما إن من شروط بروز «رجال الدولة « عدا الكفاءة ، قدرتهم على الإنجاز والمتابعة والإرتقاء بالمنجز نوعا وكما ، وكثيرا ما تبرز الحاجة لظهور رجال الدول في المنعطفات الحساسة والتاريخية والحرجة التي تمر بها الدول والمؤسسات ، فيبرزون كقادة ومنقذين وملهمين لآخرين يعملون معهم .
من الجدير بالذكر ، إن مصطلح « رجال الدولة « كمواصفات وقدرات ينطبق على السيدات ، وما أكثرهن في تميزهن كنماذج في إدارة الدول لا سيما في التاريخ المعاصر .
أخيرا هناك جملة من الصفات التي يتحلى بها «رجال الدولة» تميزهم عن غيرهم من رجال السلطة أو رجال السياسة :
أولا – التدرج في المسؤوليات
ثانيا – الخبرة والكفاءة المتراكمة
ثالثا – إمتلاك رؤية تحويلية
رابعا – القدرة على الإنجاز والمتابعة
خامسا – الشجاعة في إتخاذ القرارات
سادسا – النزاهة والإستقامة
سابعا – العقلانية والواقعية
ثامنا – الإستجابة للتحديات