نقطة ضوء
حوار تحت مظلة الشيب
محمد صاحب سلطان
في هذه الأيام المباركة، ونحن نعيش أجواء رمضان، شهر الخير والتراحم والتسامح، لابد للمرء أن يتوقف بجردة حساب مع الذات، بما فعل وما قدم، مجرد مراجعة شخصية، تطهر قلبه، وتحقق له ما يرجوه من رضا الله والوالدين والاقربون ومن يلتقيه في محيطه، لإن الشهر الفضيل لا يقف عند حد التمسك بفرائضه وحسب!، بل التمسك أيضا بما مطلوب منا لإظهار إنسانيتنا، وصدق النفس فيما نقدم عليه، في ظل تحديات معيشية وحياتية صعبة، جعلت من الإحتكاكات المجتمعية وتناقضاتها، وسوء الفهم لما نفعل ونقول، محل جدل واختلاف، ربما يؤدي الى تقاطعات ،تسفر عن خسائر مادية ومعنوية وربما جسدية، تصيب البعض ،بعد أن تحول - للإسف- كل شيئ معرض لسوء الفهم، حتى السكوت والمشي بطرف الحائط، يعد جريمة يعاقب عليها، بعد أن إستوحشت أعماق الكثيرين، وهم يستندون على ظهور من فقد الحكمة في الرأي، وساير القوي على حساب حق الفقير!، من بعض من تطلق عليهم جزافا تسمية (شيخ عشيرة أو رئيس فخذ أو صاحب حظ وبخت) من الذين أصبحت عندهم (الگوامة والدگة) مهنة إرتزاق، يلحسون فيها موائد الخراب، بعد أن كان الاصلاء، تتزلزل الأرض لإي منهم إذا خطى، لانهم ببساطة لا يقبلون بمجافاة الحق لإجل الباطل، وقبل أيام، جلس الى جانبي في الحافلة، (ختيار) يبدو عليه الإنزعاج والتذمر من موقف أصابه، وقبل أن أبادره الحديث،إنطلقت شفتاه بتمتمات ،تشكو مر السكوت، وتريد أن تبوح ولكن اللسان عاجز، وفجأة نطق بكلمات متقطعة من شدة التأثر، بعد أن قدر الموقف على ما يبدو من إنني سأفهم ما يقول، واستوعب حجم معاناته، كوني وهو، قابعان تحت مظلة الشيب!، وفهمت من حديثه، بعضا من غرائب الدنيا وتقلباتها، ولاسيما علاقة الجيران ببعضهم، من خلال ما مر به، كيف كانت وكيف هي الآن، حتى باتت (أذية) الآخرين، تشعر بعضهم بالقوة والنشوة، من خلال ممارسة التسلط والعجرفة مع الآخرين، متناسين حرمة الجار، حتى ان حادثة إعتداء وقعت، وشاهدها الناس، لكن عند الشكوى، لم يشهد منهم أحد!، ومضى المعتدي آمنا، بل والاغرب عندما تحولت الحادثة الى قضية عشائرية، إنقلب الحق الى باطل، بفضل أصحاب (اللسان المعدل) و(فريضة) آخر الزمان، ممن يقبضون الأتعاب بحسب نسبة التنازل وأكبرها (فدوة وتحت الفراش) و(بوس عمك، بوس خالك)!.. وأردف: وعلى هذا المنوال حمل جمال، حتى بات بعضنا يعتقد، بإمكانية كسب الرحمة والمغفرة ولا سيما في رمضان، إذا ما سرب من مال السحت الحرام، بعض دريهمات، عبر موائد مظهرية يعدها، أو حصصا غذائية يوزعها، فإنها كافية لتمسح أخطاءه التي ارتكبها على مدار الأيام والسنين الماضية، إذا كان يسير في ذات طريق الاستغلال والخطأ والاذى وإرتكاب الفاحشة، قلت: واهم من يتصور سلوك الأذى قوة، بل شعور بالضعف والبلادة، وأزيد، بل ضعف كبير ودليل على عجز نتوهمه قوة، وهذا ينطبق على سلوك الدول أيضا وليس الأفراد فحسب، وسينقلب السحر عليهم ويتوارون، فلا أحد يسكت على ضيم مهما طال زمنه، وو أخيرا ضحكنا، بعد أن تجاوزت الحافلة محطتنا المنشودة في غمار الشيخوخة وسخونة الحوار!..
ورمضان كريم