خاطرة نهاية عام 2023
همام الشريفي
الشخصية الاولى
شهد هذا العام انتشار مقاطع فيديو على تطبيق تك توك تتحدث عن «افضل شخصية مهنية» بما يبعث عن التساؤل والاستفهام عن الشروط العامة والمشتركة الواجب استيفاؤه لتحقيق المقارنة العادلة بين زملاء المهنة او الحقل المعرفي.
هيئات الترويج
فمثلما تأسست جامعات اكاديمية لاغراض الكسب المادي فقط، تم انشاء هيئات ربحية تقوم بالترويج لشخصيات مهنية معينة بعد استيفاء اجور باهضة الثمن للانضمام اليها بحجة تشغيل الدعاية الإعلامية و خلق اجواء الترشيح بما يشابه موضوع «اللايك» في منصات فيسبوك و انستكرام و يوتيوب وغيرها. انه اغراق اعلامي فارغ فيه اضاعة للوقت والجهد في استعراض ترفيهي.
القاب الوجاهة
تقوم لجنة خاصة في تشريفات القصر الملكي البريطاني بترشيح اسماء معينة ضمن المجتمع البريطاني او ضمن مجتمعات دول الكومنولث لاعطائها القاب اجتماعية معينة لتعبر عن الوجاهة و التميز بين اقرانه. هناك اسئلة حقيقية تتحدث عن مدى عدالة هذه الترشيحات خصوصا وان التكتلات البيروقراطية و الانحياز الاعلامي يلعبان دورا اساسياً في تفضيل فلان على علان.
الشعر
لا يمكن اعلان شخص معين كأفضل شاعر في التاريخ او العالم او المنطقة لان ألوان الشعر متعددة بين الصوفية و الغزل و السياسة و الايمان والإنكار و الاخلاق و الحكم الاجتماعية و النظم العمودي و التشكيل الحر و غيرها، و لكن يمكننا ان نقول ان فلان افضل من حرر الشعر في تخصص معين من باب تحقيق العدالة وحفظ مكانة بقية الشعراء.
الطب
لا يمكن ان نصف شخصا معينا بانه افضل طبيب لان هذه المهنة تضم اكثر من 300 أختصاص فلا توجد ارضية مشتركة للتقييم وتصبح المقارنة بينهم نوع من العبث الفكري وإجحاف واضح بحق الآخرين ، ولكننا نستطيع ان نسمي طبيبا متميزا بسنين الخدمة الطويلة و تفانيه في خدمة مرضاه ونكران الذات في احلك الظروف وانجازاته العلمية خلال سنوات العمل و ضمن تخصصه الدقيق.
الهندسة
هناك سبعة أقسام رئيسية للهندسة وتتفرع منها قرابة 200 فرع لصنوف الهندسة الدقيقة لذلك تصبح عملية المفاضلة بين المهندسين نوع آخر من العبث الفكري الذي يقود إلى أوهام فارغة، خصوصا وان العمل الهندسي يعتمد على «عمل الفريق» من مراحل التصميم الاولية و حتى مراحل الانتاج النهائي. نعم يمكن تسمية مهندس معين لطول سنوات الخدمة و لمشاركته في مشاريع تطوير المنتجات الهندسية والتي حققت أقصى درجات السلامة و الرفاهية و التوفير والراحة للإنسان ضمن تخصصه الدقيق.
التدريسي الاكاديمي
نتيجة التوسع الهائل في الاختصاصات الادبية و العلمية، تبقى عملية المفاضلة بين التدريسيين بمراتب «الاستاذية» محصورة في الاختصاص الدقيق ليتم تكريمه و تشريفه ضمن رصيده في البحث الاكاديمي و الإشراف على اطروحات طلبته و سنوات الخدمة و تواصله مع الأعمال الخيرية كونه يمثل «المثال و القدوة» لجيل الشباب. لا يصح ان نقول ان الاستاذ الفلاني هو أفضل استاذ في جامعة معينة ذات عشرات التخصصات العلمية والأدبية لاننا نظلم حقوق الاخرين في فروع المعرفة الاخرى.
الخلاصة
ارجو من النخب الفكرية العراقية التوقف عند الحملات الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي والتي تروّج بدون حصافة او رصانة بان الشخصية الفلانية هي الأفضل في مجال الهندسة او الطب او الفن او الأدب. انه في تقديري استخفاف كبير «بالعقل العربي» و وتشويه لمسارات التفكير لدى «الاجيال الناشئة» و ليس دافعا حقيقيا للعمل او المثابرة او الاجتهاد في تخصصاتهم الدقيقة.