الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
معركة الدولة المؤجَّلة.. حصر سلاح الميليشيات وغلق المكاتب الاقتصادية:

بواسطة azzaman

معركة الدولة المؤجَّلة.. حصر سلاح الميليشيات وغلق المكاتب الاقتصادية:

روبيرت ملحم 

ليس ملف حصر سلاح الميليشيات العراقية وغلق مكاتبها الاقتصادية مجرّد بند أمني عالق، بل هو الاختبار الحقيقي لوجود الدولة نفسها. فمنذ سنوات، تُعاد تدوير الشعارات ذاتها، وتُطلق الوعود في التوقيتات ذاتها، دون أن يلمس العراقيون تغييرًا جوهريًا في بنية القوة الموازية التي ابتلعت القرار والسيادة.

الميليشيات في العراق لم تعد تشكيلات مسلحة خارجة عن القانون فحسب، بل تحوّلت إلى نظام متكامل: سلاح يفرض الوقائع، وغطاء سياسي يشرعن النفوذ، واقتصاد ظلّ يمتص موارد الدولة من المنافذ الحدودية إلى العقود الحكومية. وفي قلب هذا النظام تقف المكاتب الاقتصادية، بوصفها الخزان المالي الذي يغذّي السلاح ويحصّنه من أي محاولة تفكيك.

الحديث الرسمي عن “حصر السلاح بيد الدولة” يصطدم بحقيقة بسيطة ومحرجة: الدولة نفسها مخترقة. فكيف يمكن لحكومة تستند في بقائها إلى توازنات فصائلية أن تنزع سلاحها؟ وكيف تُغلق مكاتب اقتصادية تشارك في إدارتها شبكات مرتبطة بأحزاب نافذة داخل البرلمان؟

الأخطر أن السلاح لم يعد موجّهًا ضد عدو خارجي، بل صار أداة ضبط داخلي ورسالة تهديد صامتة لكل من يفكّر بالخروج عن الخط المرسوم. وفي هذا السياق، فإن أي محاولة شكلية للحصر لا تعني سوى إعادة ترتيب المشهد، لا تغييره.

أما المكاتب الاقتصادية، فهي المعركة التي تتجنّبها السلطة عمدًا. فغلقها لا يعني فقط خسارة التمويل، بل يعني انهيار منظومة النفوذ بالكامل: تعطّل شبكات الابتزاز، انكشاف الفساد، وتحرّر القرار الاقتصادي من سطوة السلاح. ولهذا تُستبدل المواجهة الحقيقية بلجان تحقيق، أو بحملات انتقائية لا تمسّ الجوهر.

الضغط الأميركي والدولي، رغم حدّته أحيانًا، لا يهدف إلى بناء دولة عراقية قوية بقدر ما يسعى إلى ضبط سلوك الميليشيات ومنعها من تهديد المصالح الخارجية. لذلك يبقى هذا الضغط محكومًا بسقف منخفض، يسمح بالتصعيد الإعلامي ويمنع الحسم الفعلي.

في المحصلة، فإن معركة حصر السلاح وغلق المكاتب الاقتصادية ليست تقنية ولا إجرائية، بل معركة إرادة سياسية. إما دولة واحدة بسلاح واحد واقتصاد شفاف، أو دولة معلّقة تعيش على التسويات المؤقتة وتدفع ثمنها سيادةً منهكة ومستقبلًا مؤجّلًا.

وحتى إشعار آخر، سيبقى هذا الملف مفتوحًا… لأن من يملك السلاح والمال، يملك قرار إغلاقه.

 

صحفي ومراقب سياسي


مشاهدات 54
الكاتب روبيرت ملحم 
أضيف 2025/12/30 - 7:13 AM
آخر تحديث 2025/12/30 - 9:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 311 الشهر 22426 الكلي 13006331
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير