في بيتنا لوكس بدلاً من تريك
نبيل يونس دمان
لم يكن الكهرباء قد وصل مدينتي عندما دخل «اللوكس» * بيتنا في نهاية الخمسينات حسب تقديري، وكان يعمل بالكيروسين او النفط الأبيض، فعندما يحترق الغاز المضغوط الصاعد بانبوب معدني رفيع الى داخل جيب ابيض دائري مصنوع من الحرير، وحجمه أصغر من كف اليد يسمى الفتيلة (ماشون) معلق في اعلى اللوكس وتحيط بها أسطوانة زجاجية مثبتة جيدا، تنتفخ تلك الماشونة وتشتد اضاءتها مع ضربات المكبس المتصل بخزان الوقود، فتعطي اضاءة قوية تحول الليل الى نهار في ذلك المكان (غرفة، ايوان، حوش البيت، سطح البيت، الشوارع والساحات العامة).
الغرفة على الأكثر للدراسة او انشغال الأمهات في اعمال يدوية مثل النقش عل شراشف النوم، او المخاد، او تشكيل اللحاف والتي تحتاج الى اضاءة جيدة كالتي وفرها اللوكس، اما الايوان فيكون أيضا ملتقى لتجمع الضيوف او أقرباء البيت مع بعضهم البعض، ولنفس الغرض في فناء الدار أيام الصيف، اما على الاسطح فكانت العائلة تتجمع للعشاء او شرب الشاي او الدراسة والمطالعة. وفي الساحات التي تقام فيها الاعراس فكان عدد من اللوكسات تتوزع في أطرافها لتوفير الضور للجالسين والمشاركين في الرقصات على أنغام الزورنة والطبل، ويعلق على اوتاد خشبية مثبتة في الأرض او على أسطح البيوت القريبة.
شاهدت بعيني عدد من العوائل الذاهبة الى الكنيسة في ليالي الأعياد الدينية واللوكس يحمله أحدهم، وكانت العوائل تتلمس طريقه اايضاً بالاستعانة بمصباح الزار المحمول الذي يعمل بالبطاريات الجافة. ما أجمل تلك الأيام مع تلك الإضاءة التي دخلت بيوتنا ومعروف قبلها كان يتوفر المصباح (اللمبة) والفانوس الأكثر عملية لحمله باليد للاستعانة به في هزيمة الظلام الدامس خصوصا في ليالي الشتاء. ثم اختفت كل تلك المصادر الضوئية البدائية عندما انار الكهرباء القوش عام 1969 اولاً بمولدات عملاقة ثم بالضغط العالي.
كان اللوكس يعذبنا من كثرة عطلاته، فعندما تتغافل عنه تهبط قوة اضاءته فتضطر الى انزاله لتضغط الهواء داخل الخزان بواسطة المكبس، واحياناً تهبط اضاءته كثيرا ويبدأ بالضجيج ويخفت فيركض المسؤول عنه في البيت واللوكس معلق في وسط الغرفة فيحاول انقاذ انطفائه بكبس زر المكبس واللوكس لا زال معلقاً في محور حديدي يتدلى من السقف، والماشون حساس ما ان يهتز قليلاً حتى تسقط داخل اللوكس او تتشقق او تسقط قطعة منها، لتنتهي مهمته تلك الليلة، وننتظر في اليوم الثاني لشراء ماشونة جديدة بسعر 60 فلساً وسعر اللوكس الجديد كان 5 دنابير.
اليمنيون عندما دخل عندهم اللوكس ويسموه «اتريك» في عهد الاستعمار البريطاني والحديث التالي في المحميات الجنوبية، ولأول مرة يدخل قرية نائية جبلية وما ان اشعله صاحبه في الليل حتى التمت الناس عندهم مندهشين ومما قيل ما يلي**:
المهم وماهي الا دقائق وبدأ اهل القريه بالتوافد الى البيت علاسب يبسروا من اين مصدر هذا الضوء العجيب! في البداية ظنوا ان قد احنا بنخصب اليورانيوم هههه
لأنهم كانوا متعودين على ضوء النوارات الضعيف جدا..
قال ابي كان يوصلوا يدخلوا واول مايبسروا الاتريك ينذهلوا، ويقلوا اووووه ماهذا قدوة نهااار!! اف اف اف قاتلهم الله هذولاء النصارى ايش قد بيصنعوا!!
وبهذه الحكاية انهي موضوعي عن اللوكس الذي كان له زمان ويدخل فقط بيوت الميسورين حتى اكتسحه والى الابد كهرباء الضغط العالي في أواخر الستينات.
* اللوكس صناعة المانية تم تصنيعه عام 1938.
** مقتبسة الحكاية اليمنية من موضوع صديقي في الفيس بوك جعفر أبو صالح البرمكي، وكذلك الصورة الجميلة للوكس وغلافه الكارتوني الأجمل.