هيكلة المصارف الحكومية خطوة في الإتجاه الصحيح
محمد خضير الانباري
يشهدَ العالمُ اليوم، في ظلِ التطورِ التقنيِ والتقدمِ العلمي، اتجاها متسارعا نحوَ إعادةِ النظرِ في بنيةِ المؤسساتِ العامةِ والخاصة، عبرَ إعادةِ هيكلتها وتقليصُ الاعتمادِ على الأعدادِ الكبيرةِ منْ العاملين، ويظهرَ هذا التوجهِ بوضوحِ في الشركاتِ الأمريكيةِ والغربية، التي تنتشر، أخبارُ إفلاسِ وإغلاقِ العديدِ منْ الشركاتِ منها، وزيادة نسبة البطالة، كما يحدثُ حاليا في ألمانيا، التي يعدْ قطاعها الخاصُ ركيزةً أساسيةً لاقتصادها.
أما الدولِ الناميةِ أوْ ما تسمى دول العالمِ الثالث، التي تعتمدُ أنظمةً شمولية، فتغرقُ مؤسساتُ القطاعِ العامِ بالعمالةِ الزائدة، وهوَ ما تصنفهُ المؤسساتُ الماليةُ الدولية، كأحدِ أبرزِ أسبابِ الأزماتِ الاقتصاديةِ والانهياراتِ المالية، وتشكلَ فنزويلا مثالاً واضحا؛ فبرغمِ امتلاكها واحدا منْ أكبرِ احتياطياتِ النفطِ في العالم، وصلتْ إلى مرحلةٍ فقدتْ فيها عملتها قيمتها، حتى باتَ المواطنُ يحتاجُ إلى رزمِ منْ النقودِ الورقيةِ لشراءِ حاجياتٍ بسيطةٍ منْ الموادِ الغذائيةِ أوْ الاستهلاكية.
تعدّ هيكلةُ مؤسساتِ الدولةِ عمليةً جوهريةً لتنظيمِ أجهزةِ الحكمِ والإدارةِ بما يضمنُ الكفاءةَ في تقديمِ الخدماتِ العامة، فهيَ تقومُ على توزيعٍ دقيقٍ للمهامِ والصلاحياتِ بينَ السلطاتِ التشريعيةِ والتنفيذيةِ والقضائية، إلى جانبِ الهيئاتِ الرقابيةِ والمؤسساتِ المستقلةِ التي تعززُ مبادئَ الشفافيةِ والمساءلة، كما تسهمُ الهيكلةُ في توضيحِ خطوطِ السلطةِ واتخاذِ القرار، ومنعَ تداخلِ الاختصاصاتِ بينَ الوزارات، وتوجيهَ المواردِ البشريةِ والماليةِ نحوَ أولوياتِ الخدماتِ والتنمية. أصبحتْ عمليةُ التحديثِ المؤسسي، في ظلِ المتغيراتِ العالميةِ السريعة، ضرورةٌ لا بدَ منها لمواكبةِ التحولِ الرقميِ وتعزيزِ الحوكمةِ وتحسينِ التنسيقِ بينَ مؤسساتِ الدولة، بما يمكنها منْ الاستجابةِ الفعالةِ لاحتياجاتِ المواطنينَ وتحقيقِ التنميةِ المستدامة. في هذا السياق، يسجلَ توجهُ الحكومةِ مؤخرا للتعاقدِ معَ شركاتٍ عالميةٍ لإعادةِ هيكلةِ مصرفِ الرافدينْ خطوةً مهمة، تهدفَ إلى تحديثِ النظامِ المصرفيِ وتبسيطِ الإجراءاتِ التي أثقلتْ كاهلَ المواطن، الذي يواجهُ سلسلةً طويلةً منْ التوقيعاتِ والمتطلباتِ لمجردِ صرفِ صكِ أوْ إثباتِ هويته. إنَ عددا كبيرا منْ مؤسساتِ الدولةِ العامة، بحاجةٍ فعليةٍ إلى إعادةِ هيكلةٍ شاملة، ابتداءٌ منْ الوزاراتِ والمؤسساتِ والجهاتِ الأمنيةِ التي تعانينَ تضخما في الرتبِ والدرجاتِ بما يفوقُ ملاقاتها وفقَ أنظمتها القانونية، مرورا بالاستحداثاتِ الوظيفيةِ التي أنهكتْ الموازنة، ولا يمكنُ تحقيقَ ذلكَ منْ دونِ الاستعانةِ بخبراتٍ محليةٍ ودوليةٍ قادرةٍ على تقديم استشاراتها الإدارية في بناءِ مؤسساتٍ حديثة، تعتمدَ على تفعيلِ دورِ القطاعِ الخاصِ بوصفهِ بديلاً حقيقيا لدفعِ الاقتصادِ الوطنيِ نحوَ الأمام، لذا؛ فإنَ تمكينَ القطاعِ الخاصِ وتشريعِ القوانينِ الحديثةِ التي تدعمُ نشاطه، وإزالةُ التعقيداتِ البيروقراطيةِ منْ طريقة، يشكلانِ خطوة أساسيةٍ لتعزيزِ شراكتهِ معَ القطاعِ العامِ، فهذا القطاعُ قادرٌ على توفيرِ فرصِ عملٍ واسعةٍ للشباب، بديلاً عنْ انتظارِ التعييناتِ الشكليةِ التي تثقلُ مؤسساتِ الدولةِ منْ دونِ جدوى، وخاصةَ الخريجينَ منْ الكليات، وفقَ الدستورِ العراقي، الحقُ في فرصِ عملٍ حقيقيةٍ تمكنهمْ منْ بناءِ مستقبلهم، لا أنْ يتحولوا إلى عبءٍ إضافيٍ على الدولةِ ومواردها، تتاجرَ بهمْ الحكوماتُ أوْ يخضعونَ للمزايداتِ في العمليةِ السياسية تحت شعار التعيينات الحكومية.