الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تداعيات لوم المقاومة الفلسطينية على ضمير الأمة ومستقبلها

بواسطة azzaman

تداعيات لوم المقاومة الفلسطينية على ضمير الأمة ومستقبلها

قتيبة آل غصيبة

 

منذ اندلاع عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 ، دخلت المنطقة فصلاً جديداً من الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، فبينما اعتبرتها المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس رداً طبيعياً على عقود من القهر والاحتلال والحصار؛ رأى فيها آخرون مغامرة غير محسوبة جلبت الويلات على غزة وسكانها، في وسط هذا الجدل؛ يبرز سؤال أخلاقي وتاريخي حاسم: (هل من العدل أن يُحمَّل المقاوم مسؤولية عدوان المحتلّ؟ أم أن هذا الخطاب انعكاس لعجزٍ أوسع في وعي الأمة وضميرها؟) 

 جذور الاتهام وتناقضاته:

من يتّهم حماس بأنها السبب في المأساة يتجاهل حقائق تاريخية لا يمكن القفز عليها، فالمجازر الصهيونية؛ والحصار المستمر على غزة منذ عام 2007؛ وتهويد القدس؛ واغتيال القادة والمواطنين، كلها بدأت قبل عملية «طوفان الأقصى»؛ بل حتى قبل نشأة حماس نفسها، فالاحتلال الصهيوني لم يكن بحاجة إلى ذريعة ليبطش بالشعب الفلسطيني، فسياسة القتل والقمع راسخة في عقيدته منذ قيامه؛ وبالتالي فإن تحميل المقاومة مسؤولية الحرب هو قلب للحقائق وتزييف للتاريخ، واللوم هنا لا يوجَّه لمن ردّ على العدوان؛ بل لمن سكت عنه أو تواطأ معه، فالمقاومة ليست نزوة سياسية؛ بل خيار وجودي لشعب يواجه آلة احتلال ترفض الاعتراف بحقه في الحياة.

 اللوم بوصفه أزمة في الوعي العربي والإسلامي

إن إلقاء اللوم على حماس ليس مجرد موقف سياسي؛ بل صورة من صور الأزمة الفكرية العميقة التي تمر بها الأمة، فقد تحوّل مفهوم «الواقعية السياسية» إلى شعار لتبرير العجز، وغدا «السلام» غطاءً للاستسلام؛ و»التطبيع» وسيلة لتبرئة الاحتلال من جرائمه، لقد تمت برمجة وعي الأجيال الجديدة على أن المقاومة عبث؛ وأن القبول بالأمر الواقع حكمة، وهكذا أصبح بعض العرب يبررون القهر باسم «المصلحة الوطنية»؛ وينسون أن الأمم التي تفرّط بحقوقها تفقد احترامها لنفسها قبل أن تفقد أرضها. إن حماس ومن معها من ابطال المقاومة الفلسطينية؛ رغم ما تواجهه من حصار وضغط سياسي وعسكري، فإنها أعادت تعريف الشجاعة في زمن الخوف؛ وأيقظت الضمير الإسلامي والعربي من سباته الطويل، ولهذا؛ فإن من يهاجمها في الحقيقة يهاجم فكرة المقاومة ذاتها؛ لا مجرد تنظيم سياسي.

 الإعلام سلاح في معركة الوعي:

لم تعد الحرب في غزة معركة عسكرية فحسب، بل تحوّلت إلى حرب إعلامية ونفسية شرسة، إذ يسعى ألكيان الصهيوني؛ عبر أذرعه الإعلامية والدبلوماسية إلى تحميل المقاومة مسؤولية الدمار؛ لتبرر مجازرها أمام الرأي العام العالمي، وللأسف؛ فإن  هذا الخطاب يجد صدى في بعض المنابر العربية التي تردّد الدعاية الصهيونية من حيث لا تدري؛ أو بتعمدٍ سياسي، وهكذا يتم شيطنة المقاومة وتبرئة الاحتلال الصهيوني ، في مشهد يعيد إلى الأذهان حملات التشويه التي تعرضت لها الثورات التحررية وحركات المقاومة في التاريخ، من الجزائر إلى العراق مروراً بفيتنام وأفغانستان .

 التداعيات الخطيرة لهذا الخطاب:

إن الخطاب الذي يحمّل حماس مسؤولية الحرب ليست له آثار سياسية فحسب؛ بل يضرب في عمق الوعي الإسلامي والعربي، ومن أبرز تداعياته:

1. إضعاف روح المقاومة في الأمة:

فعندما يُدان المقاوم ويُكافأ المحتل؛ ويُصَفق للمهادن، تُقتل في النفوس إرادة الحرية؛ ويُستبدل منطق «النهوض» بمنطق «النجاة الفردية

 2.منح العدو غطاءً أخلاقيًا زائفًا: فحين يُصوَّر ألكيان الصهيوني كضحية «لعدوان حماس» ، تتبدّل الأدوار؛ ويصبح العدو الغاصب ضحية، والمظلوم جلاداً.

3.تفتيت الصف العربي والإسلامي: إن اتهام المقاومة بالمسؤولية؛ يحعل الانقسام الداخلي أكثر عمقاً واتساعاً؛ ويجعل من فلسطين ساحة صراع إعلامي بين العرب بدل أن تكون نقطة وحدة.

4.  تشويه مفهوم الجهاد والكرامة: إن هذا التشويه يختزل المقاومة في صورة «التطرف والانحراف والضلال»؛ ويُغتال المعنى الروحي للجهاد كقيمةٍ إنسانية ضد الظلم والطغيان.

من يتحمّل المسؤولية الحقيقية؟

إن اللوم الحقيقي لا يقع على حماس التي تقاتل في الميدان؛ بل على الفراغ السياسي العربي والإسلامي الذي تركها تواجه وحدها مصير أمة بأكملها، فلو كان للعالم الإسلامي موقف موحّد؛ وللدول العربية رؤية متماسكة؛ لما وُجدت حماس وحيدة في وجه أعتى قوة عسكرية في المنطقة، فقد أثبتت المقاومة (رغم الحصار القاتل ونقص الموارد)؛

أنها قادرة على الصمود وإرباك العدو، وأنها تقاتل نيابة عن أمةٍ غائبة، ولعلها لم تحقق نصراً عسكرياً كاملًا؛

لكنها حققت نصراً أخلاقياً واستراتيجياً؛ حين أعادت الاعتبار (لفكرة التحرير) وذكّرت العرب أن فلسطين ما زالت حية في الوعي والوجدان، فكما كانت (غزوة أحد: 3هجري-624م) درساً للمسـلمين في النهوض بعد الكبوة.

 فإن حرب غزة ستكون لحظة وعي جديد وبداية لنهاية الاحتلال والعدوان الصهيوني الغاشم الذي مضى عليه ثمانين سنة؛ يتعلم فيها العرب أن الخسارة الميدانية لا تعني نهاية المعركة؛ بل بدايتها الحقيقية.

 نحو وعي جديد بالقضية الفلسطينية:

ما تحتاجه الأمة اليوم هو وعي جديد بالقضية الفلسطينية، فالصراع مع الاحتلال الصهيوني ليس نزاعاً حدودياً؛ بل صراع وجودٍ وهوية، وإن تبرير العدوان وإدانة المقاومة يقود تدريجياً إلى تجريد الأمة من روحها؛ وتحويلها إلى كيان بلا ذاكرة ولا كرامة، وعلى النخب العربية والإسلامية أن تعي أن الدفاع عن المقاومة لا يعني الانحياز لحماس كحزب أو فصيل؛ بل الانحياز للحقّ في وجه الباطل؛ وللمظلوم في وجه الظالم، فالمسألة ليست سياسية بقدر ما هي أخلاقية وإنسانية.

غزة لا تُهزم، فالذين يلقون اللوم على حماس يهربون من مسؤولياتهم أمام التاريخ، فالتاريخ لا يكرّم الصامتين؛ إنما يكرّم الذين واجهوا الطغيان، وغزة؛ رغم جراحها ودمارها؛ تقف شامخة لتقول للعالم: (لسنا نبحث عن النصر العسكري بل عن الكرامة التي ثمنها الدم.. )، فكما نهض المسلمون بعد  (غزوة أُحد)  ليصنعوا الخندق وفتح مكة، ستنهض غزة لتكتب فصل «فتح القدس بإذن الله. «

ومن سيلوم المقاومة اليوم؛ سيلوم نفسه حين يدرك أنه كان يقف في صفّ الصمت؛ لا في صفّ الحرية، فالمقاومة ليست خطأً يحتاج إلى تبرير؛ بل شرفٌ يحتاج إلى من يصونه ويدافع عنه.

وأسأل الله تعالى ان تُسمِعُ هذه الكلمات من به صَمَمُ...

والله المستعان.

 

 


مشاهدات 50
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2025/11/08 - 4:21 PM
آخر تحديث 2025/11/09 - 1:22 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 42 الشهر 5781 الكلي 12367284
الوقت الآن
الأحد 2025/11/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير