فاطمة الزهراء (عليها السلام).. منبع النور وصرخة الضمير
عباس النوري العراقي
في ذكرى رحيل السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، نقف على أعتاب الألم الإنساني والضياء الإلهي، نستحضر شخصيةً لم تعرف البشرية مثلها في الطهر والوعي والإيمان.
هي بضعة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وزوجة سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأم الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، سيدي شباب أهل الجنة، ومعدن النور الذي تفرّعت منه سلالة الطهر إلى قيام الساعة.
✨ فلسفة النور الإلهي في سيرتها
فاطمة الزهراء ليست حدثًا عابرًا في التاريخ الإسلامي، بل ظاهرة إنسانية وروحية خالدة.
جسّدت في سيرتها أسمى صور الإيمان والعقل والبلاغة، وكانت الامتداد الطبيعي لرسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في نصرة الحق ومواجهة الظلم.
وحين طالها الجور بعد وفاة أبيها، لم يكن سكوتها ضعفًا، بل احتجاجًا صامتًا على انحراف القيم، ودفاعًا عن جوهر الرسالة الذي حاول البعض حرفه عن مساره النبوي.
لقد ظُلِمت مرتين:
• حين كُسِر باب دارها وضُرب ضلعها في مأساةٍ تقشعر لها القلوب.
• وحين طالبت بحقّها الشرعي في فدك، فواجهت سياسةً لم تفهم معنى القداسة والعدل.
لكنّها رغم كلّ ذلك ثبتت كالطود الشامخ، تحوّل حزنها إلى نورٍ يضيء طريق المظلومين عبر الأزمان.
????️ خطبتها مدرسة للأجيال
في خطبتها المعروفة، قدّمت الزهراء (ع) أعمق بيانٍ فلسفي في الفكر الإسلامي المبكّر؛ جمعت فيه بين العقيدة والسياسة والاجتماع، وحذّرت من الانحراف الفكري والابتعاد عن نهج العدالة الإلهية.
لم تكن كلماتها عتابًا، بل صرخة وعي موجهة إلى الأمة، كي لا تفرّط في مبادئها.
ولذلك، تبقى خطبتها حتى اليوم دستورًا أخلاقيًا وروحيًا لكل من يريد أن يفهم معنى القيادة المسؤولة، والحق الإلهي، والتكليف الإنساني.
???? من الحزن إلى العمل
إن استذكار فاطمة الزهراء (ع) لا يعني الاكتفاء بالدمعة، بل تحويل الحزن إلى درسٍ عمليّ في الحياة.
فهي رمز الصبر والفكر، والوفاء والعطاء، تعلمنا أن الإيمان ليس شعارًا، بل سلوكًا وموقفًا في وجه الانحراف والظلم.
ذكراها نداءٌ لكلّ إنسانٍ أن يجعل من قلبه موطناً للنور، ومن عقله ساحةً للحق.
⚖️ صرخة إلى السياسيين والمجتمع
أيّها السياسيون، أيها القادة، أيها الناس جميعًا:
أمامكم فرصة لتغرفوا من نهر العلم والفضيلة، من نهر أمّ الأئمة الأطهار عليهم السلام، تلك التي كانت بضعة الرسول وزوجة سيد الأوصياء، ووالدة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام).
تعلموا من سيرتها معنى العدالة والتضحية والخدمة الحقيقية للناس.
السلطة زائلة، لكن الحقّ باقٍ، والذكر الحسن لا يُشترى بالمال ولا بالمناصب.
فاطمة الزهراء (ع) هي صرخة الضمير الحيّ في وجه كلّ ظلمٍ واستبدادٍ وجهل، وهي دعوة لأن نطهّر أنفسنا ومجتمعاتنا من الفساد، كما طهّر الله أهل بيتها تطهيرًا.
???? الخاتمة
إن الحزن على الزهراء (ع) ليس طقسًا، بل وعيًا ورسالةً وأسلوب حياة.
علينا أن نحول ذكراها إلى منهجٍ أخلاقيّ وفكريّ نستنير به في إصلاح واقعنا السياسي والاجتماعي.
فهي لم تمت إلا لتُعلّمنا أن من يسكت عن الحق يشارك في الظلم، ومن يطلب النور لا يخاف العتمة.
سلامٌ على فاطمة يوم وُلدت، ويوم استُشهدت، ويوم تُبعث حيةً شاهدةً على الأمة إلى يوم الدين.